أُسطُورة صِراع الأَجهزة بالمَغرِب ..!

كأننا أمام لوحةٍ أسطورية تملؤها الحواس اليقظة، حيث العين ترى والأذن تنصت، والجسَد يتحرك بانسجام لا يعرف التعثر، هكذا تبدُو الدَّولة المَغربية حين تتأَملها كيانًا موحدًا، يعمل أجزاؤه بتناغم مُدهش، يحفظ التوازن ويصد الأَخطار، ومع ذلك، تطلُّ من حين لآخر خرافةٌ عتيقة، تحاول عبثًا زرع الشكوك في هذا التناغم الفريد: صراع الأجهزة الأمنية.

تلك الأسطورة، التي تُدار بين مجالس المقهى وصالونات التحليل السطحي، تصور “لادجيد” و”ديستي” كخصمين يتصارعان داخل جسد الدولة، متناسين أن العين والأذن، وإن اختلفت وظيفتهما، لا يمكن أن تكونا إلا في خدمة الجسد الواحد، الدولة جسدٌ حي، و”لادجيد” هي العين التي تراقب الأخطار من بعيد، بينما “ديستي” هي الأذن التي تصغي لدبيب التهديدات في الداخل، وكلتاهما تتحركان تحت قيادة واحدة، رؤية واحدة، وغاية واحدة: حماية الوطن وصون استقراره.

وكما قال الملك محمد السادس، في إحدى خطبه : “قوة الدولة لا تُقاس بحجم مؤسساتها فحسب، بل بانسجامها وتكامل أدوارها، وبقدرتها على خدمة المصلحة العامة بفعالية وإخلاص، ” بهذا المبدأ الراسخ، أسست المملكة نموذجها الفريد، حيث تُكمل المؤسسات الأمنية بعضها بعضًا كأجزاء آلة دقيقة، لا يشوب حركتها أي اضطراب.

في مشهدٍ أشبه بسيمفونية يعزفها فريق متجانس، تعمل المديرية العامة للدراسات والمستندات (لادجيد) كحارس للبوابات الخارجية، ترصد الأخطار القادمة من بعيد، وتجمع المعلومات الاستخباراتية التي تضع الدولة دائمًا في المقدمة، في حين أن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (ديستي) تسهر على الداخل، تقتلع جذور التهديدات التي قد تخترق النسيج المجتمعي، وتفكك خلايا الإرهاب وشبكات الجريمة المنظمة.

وكما صرّح عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني: “العمل الأمني في المغرب هو نموذج للعمل الجماعي المنظم، وهو الضمانة الأساسية للحفاظ على استقرار الوطن وصون مكتسباته، ” هذه الكلمات تختصر فلسفة التكامل التي جعلت المغرب نموذجًا يحتذى به في منطقة تتقاذفها الأزمات.

حين ننظر إلى دول الجوار، نرى كيف ينهك الصراع الداخلي أجساد دولٍ لم تعرف سر التناغم، في المقابل، يبقى المغرب شامخًا، كحصن منيع تحميه الحواس التي لا تعرف الغفلة، وكما قال الحسن الثاني، طيب الله ثراه: “الدولة كالعقد المتماسك، إذا انفرطت إحدى حباته، انفرطت جميعاً.”

أما أولئك الذين يروجون لخرافة صراع الأجهزة، فلا يرون في هذا العقد المتماسك سوى أوهام تناحر يتوهمونها، يظنون أن التنافس هو الأصل، بينما الحقيقة أن التكامل هو سر النجاح، هؤلاء غافلون عن حقيقة أن “ديستي” و”لادجيد” وجميع المؤسسات الأمنية ليست سوى أدوات متناغمة تعزف لحن الاستقرار، لحنًا يصون كيان الوطن ويضمن أمان شعبه.

إن استقرار المغرب، في زمنٍ تعصف فيه الفتن بدول المنطقة، ليس صدفة عابرة، إنه ثمرة رؤية متبصرة وقيادة حكيمة ومؤسسات تعرف دورها جيدًا، المؤسسات الأمنية ليست خصومًا، بل جناحين يحملان الوطن نحو فضاءات أرحب، وكما قال أحد حكماء السياسة: “حين تعمل الحواس بتناسق، يبصر الجسد الحقائق بوضوح، ويسمع الحق وسط الضجيج.”

وفي النهاية، يبقى المغرب شاهدًا حيًا على أن قوة الدولة ليست في تعدد مؤسساتها فقط، بل في وحدتها وتناغمها، أسطورة صراع الأجهزة ليست سوى سراب يتبدد أمام هذه الحقيقة الساطعة: دولةٌ كالجسد الواحد، أجهزتها كالحواس، لا تعيش إلاَّ بالتكامل، ولا تزدهر إلاَّ بالتناغم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى