الخيمة بين أعمدة الإحسان وحجارة العقار بالبيضاء.
في زاوية قصيّة من العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، بين صخب الطرقات وهدير السيارات، تقف عمارة شاهقة كانت بالأمس القريب محط أنظار العابرين، تلك العمارة لم تكن مجرد بناية من الإسمنت والحديد، بل رمزاً للطموح والآمال، خطها رجل عُرف بين الناس بلقب “الخيمة”، لكنه اليوم يقف أمام مشهد هدمٍ مؤلم، حيث الجرافات تسوّي العمارة بالأرض، ورائحة الغبار تمتزج بوجوه المتفرجين الذين يتهامسون ويتساءلون عما حدث.
“الخيمة” ليس مجرد لقب، هو وصف لرجل يحمل في قلبه مساحات واسعة من الإحسان والعطاء، رجل اختار أن يجعل من حياته دعماً للمحتاجين والمساكين، حتى وهو يدير أعماله كمستثمر في مجال العقار، بين يديه مفاتيح مشاريع كبرى، لكنه لم ينسَ يوماً أن يمدّ يده للضعفاء، سواء بمساعدة فقير، أو ببناء مسجد، أو بإعالة أرملة.
حين طُلب هدم العمارة، كان يمكن للرجل أن ينفجر غضباً، أن يلقي اللوم على الجميع، أن يتمسك بكل خيط مهما كان واهناً، لكنه بدلاً من ذلك، وقف بصدر رحب، يتحدث بهدوء وقوة، مؤكداً احترامه للقانون، “لم أكن على علم بالاختلالات التي عرفها هذا الملف”، قالها بنبرة تجمع بين الشفافية والأسف، ثم أضاف، “الهدم خطوة قانونية، وأنا مع القانون. لا يمكن أن تكون الاستثمارات على حساب معايير السلامة أو على حساب المدينة”.
كان المشهد غريباً للكثيرين، اعتاد الناس أن يروا المستثمرين يتشبثون بمشاريعهم حتى الرمق الأخير، يصرخون، يساومون، أو يتوارون بعيداً، لكن “الخيمة” اختار طريقاً مختلفاً، اختار أن يتحمل المسؤولية، حتى وهو يؤكد براءته من الاختلالات التي أدت إلى هذا القرار، ربما كان يعلم في داخله أن خسارة عمارة ليست نهاية العالم، وأن البناء الحقيقي هو ما يتركه الإنسان في قلوب الناس.
لم يكن “الخيمة” يوماً مجرد مستثمر، هو رجل عُرف بين أهله وجيرانه بكرمه وسخائه؛ عندما ضربت أزمة قريته الصغيرة ذات يوم، كان أول من بادر إلى إرسال المساعدات، وعندما اشتدت الحاجة إلى بناء مدرسة جديدة، تكفل بنصف التكاليف دون أن ينتظر دعوة أو إشادة؛ لذلك، حين يتحدث الناس عنه، لا يتذكرون فقط العمارات التي بناها، بل البيوت التي أنقذها، والأفواه التي أشبعها.
“رجل إحسان بامتياز”، هكذا وصفه أحد الذين يعرفونه عن قرب؛ وتابع حديثه قائلاً: “إنه لا يفكر في الربح فقط عندما يجلس مع الناس، ينصت إليهم كأنه واحد منهم، لا يشعرهم أبداً أنه فوقهم، بل دائماً إلى جانبهم”، هذه الصفة النادرة جعلت اسمه يرتبط بالخيمة، ذلك الرمز الذي يحمي من الحر والبرد، والذي يجمع الجميع تحته دون تمييز.
اليوم، وبينما يتلاشى الغبار وتختفي آثار العمارة شيئاً فشيئاً، يقف “الخيمة” في مواجهة فصل جديد من حياته، ربما تكون الأرض خالية الآن، لكن قلبه مليء بالأفكار الجديدة، ويداه لا تزالان ممدودتين للعطاء، لأنه، في نهاية المطاف رجلٌ سخي ذو فضل وإحسان .
في بوسكورة، حيث النفوذ العقاري يتشابك مع المصالح الضيقة، تقف بعض اللوبيات كوحوش تأكل الحي والميت، دون شفقة أو تردد، مضحية بكل شيء لتحقيق أرباحها، ومع ذلك، ظل “الخيمة” شامخاً، يرفض أن يخوض معاركهم القذرة، أو أن يكون جزءاً من نظام يلتهم الصغار دون رحمة.
لكن القصة لا تنتهي هنا، في قراءة “المساء” القادمة، سنفتح الملفات المغلقة، ونكشف عن أسماء بعينها، عن تلك اللوبيات التي تدير خيوط اللعبة في بوسكورة، وتغرق المنطقة في دوامة من الفساد والتسلط، هذه ليست مجرد كلمات، بل وعد لقراء ينتظرون الحقيقة دون تجميل أو تحريف.
“الخيمة” قد يكون نقطة مضيئة في هذا المشهد المظلم، لكنه ليس وحده من يحمل عبء التغيير، التحدي اليوم هو فضح الممارسات التي تجعل من بوسكورة مرتعاً لمن يأكل الحي والميت، ومن هنا، تبدأ الحكاية، هل سيجد النقاء مكاناً في عالم تسوده المصالح؟ وهل سيبقى “الخيمة” صامداً في وجه العواصف؟ الأيام القادمة ستكشف الكثير ولاسيما بعد الهجمة الشرسة التي نهجتها بعض الصفحات الغير قانونية والتي يتواجد أصحابها خارج أرض الوطن ويتحدثون عن أشياء لا علم لهم بها هدفهم هو التشهير بالناس لا غير .