المنابر ليست ملكًا لأحد: أزمة الخطباء ووزارة الأوقاف

تشهد الساحة الدينية في المغرب جدلًا متصاعدًا حول العلاقة بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والخطباء، في ظل ما يراه البعض محاولات لفرض رؤية موحّدة على خطب الجمعة. ويعتبر هذا النقاش جزءًا من معركة أوسع تتعلق بحدود حرية الكلمة على المنابر الدينية ودور الوزارة في تنظيمها.

الخطيب يوسف التازي كان أحد الأصوات التي عبّرت عن استيائها من هذه السياسة، من خلال تدوينة أثارت نقاشًا واسعًا. وصف التازي أساليب الوزارة بالتهديدية، معتبرًا أن تلك السياسات تعكس محاولة لترويض المنابر وإلغاء التنوع الذي كان دائمًا أحد مميزات الخطاب الإسلامي.

من جانبها، ترى الوزارة أن إصدار خطب مقترحة هو وسيلة لتوحيد الرسائل العامة، خاصة في ظل الظروف الوطنية والدولية التي تتطلب خطابًا متجانسًا. إلا أن غياب الإطار القانوني الواضح، الذي يحدد طبيعة هذه الخطب كمقترحة أو ملزمة، يجعل المسألة عرضة للتأويلات، ويفتح الباب أمام شعور بالضغط لدى الخطباء.

الخطباء، بصفتهم صوت المجتمع وضميره الحي، يؤدون دورًا أعمق من مجرد الالتزام بنصوص جاهزة. المنبر الديني هو فضاء للتفاعل مع قضايا الناس بروح اجتهادية، وهو ما يجعل أي محاولة لإلزامهم بخطب موحدة تقيد حرية الكلمة وتضعف من ثقة الجمهور بالمؤسسة الدينية.

إن تعزيز دور المنابر الدينية يتطلب مقاربة أكثر انفتاحًا، تتيح للخطباء التعبير عن آرائهم واجتهاداتهم في إطار رؤية موحدة تتوافق مع مصالح المجتمع، دون أن تُفرض عليهم بشكل يُفقد المنبر معناه.

الطريقة التي يتعامل بها بعض مسؤولي الوزارة مع الخطباء، وفق ما وصفه التازي، تشير إلى عقلية لم تعد تناسب السياق الاجتماعي الحالي. فالرهان على التهديد والتلويح بالعقوبات هو رهان خاسر في زمن أصبح فيه الناس يطالبون بالكرامة والاحترام المتبادل.

في النهاية، يبقى المنبر الديني أمانة يجب أن تُحترم استقلاليتها، مع ضرورة تحقيق توازن بين التوجيه والإرشاد من جهة، واحترام حرية الكلمة من جهة أخرى، حفاظًا على دور المنابر في خدمة المجتمع وقضاياه.

جريدة المساء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى