سياسيُّون مخصيُّون و شعبٌ على حافةِ الإنفجار
النخبة السياسية في المغرب لا تمتلك سوى عناوين فارغة وصلاحيات مبتورة، تسير بخطى المرتجف داخل منظومة تُحكمها مؤسسات مركزية لا تعترف إلا بالقوة، ولا تُتيح إلا الهامش، هؤلاء السياسيون الذين يملأون شاشات التلفزيون وشوارع الحملة الانتخابية بالوعود الكاذبة، لا يملكون الجرأة الكافية لانتزاع حقوقهم، ولا الشجاعة اللازمة لمواجهة نظام يسحقهم تحت أقدامه، فيتحولون إلى مجرد أدوات ديكورية في مشهد سياسي فاسد، بينما الشعب المحبط والمنهك يقترب من لحظة الانفجار.
حميد شباط الأمين العام السابق لحزب الاستقلال لم يكن ليخطئ حين قال لي ساخرا من الوضع السياسي بالمغرب ونحن نتبادل أطراف الحديث عن المنتخبين : “لم يعد عندنا في المغرب منتخباً إلا المنتخب الوطني … ”، جملة بليغة لرجل كان يعرف الدَّار وبيوتها ، فالمغرب يعيش في مرحلة مخاض مقيت، حيث القديم يرفض أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، والجديد لم يُخلق بعد، المنتخبون، بدلاً من أن يكونوا طلائع هذا الميلاد الجديد، اختاروا أن يكونوا عبيداً في منظومة تُقزمهم وتسلبهم حتى القدرة على الحلم بشهادة سَاساته الكبار .
المواطن المغربي، الذي يجد نفسه مسحوقاً بين فكي البطالة، غلاء المعيشة، وانعدام الكرامة، لا يرى أمامه سوى هؤلاء السياسيين الذين يبيعون الوهم بثمن بخس، فيوجه لهم غضبه المشروع، لكنه لا يدرك أن هؤلاء مجرد دمى، بلا روح ولا سلطة، يتحركون بخيوط تحكمها مراكز نفوذ تعرف كيف تُسكت الأصوات وتكسر الرؤوس، كما قال جون لوك: “عندما تُمنح المسؤوليات دون سلطات مقابلة لها، فإنك تخلق نظاماً يبرر الفوضى واللامساءلة”، وهذا هو المشهد المغربي بكل تفاصيله البشعة.
المفارقة المرة أن هؤلاء السياسيين، رغم سحقهم وفضح هشاشتهم، لا يمتلكون الحد الأدنى من الجرأة للدفاع عن أنفسهم، ناهيك عن الدفاع عن الشعب الذي أوصلهم إلى مقاعدهم الباهتة، خوفهم من الاصطدام بالنظام يجعلهم متواطئين بالصمت، مختبئين وراء أقنعة زائفة، غير مدركين أن التاريخ لن يرحم الجبناء، كما قال ماكس ويبر: “السلطة بلا مسؤولية فساد، والمسؤولية بلا سلطة مأساة”.
السياسة في المغرب ليست ساحة للنضال من أجل الحقوق، بل أصبحت لعبة للبقاء، حيث يتم التضحية بكل شيء، حتى الكرامة، مقابل الاستمرار في المشهد، ونستون تشرشل قال: “السياسي الحقيقي هو من يفكر في الجيل القادم، وليس في الانتخابات القادمة”، ولكن سياسيونا لا يفكرون إلا في ملء جيوبهم، وتصفية حساباتهم الصغيرة، بينما الوطن ينزف، والشعب يئن، والنظام يراقب ببرود.
المعضلة الحقيقية ليست فقط في السياسيين، بل في دينامية سياسية مختلة تُديرها مؤسسات مركزية ترفض التنازل عن أي ذرة من سلطتها المطلقة، مونتسكيو قالها منذ قرون: “الحرية السياسية لا تتحقق إلا عندما لا يُساء استخدام السلطة”، لكننا نعيش في ظل نظام لا يعرف إلا استغلال السلطة وتكريسها كأداة قمع وإخضاع.
الشعب المغربي اليوم أشبه ببركان يوشك على الانفجار، والسياسيون، بمواقفهم المخزية وخوفهم المستمر، لا يفعلون شيئاً سوى تأجيج هذا البركان، وهذا مالا ترضاه الدَّولة نفسها، التغيير الحقيقي لن يحدث إلا إذا ظهرت نخبة جديدة، لا تخاف الصدام، ولا تتوارى خلف الأوهام، قادرة على قلب الطاولة على رؤوس الجميع، المغرب لا يحتاج إلى سياسيين مخصيين، بل إلى رجال ونساء يقاتلون من أجل وطن يليق بشعبه، وإلا فإن الانفجار قادم لا محالة.
بقلم:محمد القاسمي