قراءة المساء : تيك توك والإلحاد قصة تتنامى في المغرب
ظاهرة جديدة بدأت تلوح في الأفق الرقمي بالمغرب، تجتاح منصات التواصل الاجتماعي وتثير جدلاً واسعاً في الأوساط الاجتماعية، مقاطع قصيرة بألوان زاهية، وأساليب خطابية تجمع بين الجاذبية والتهكم، تحمل مضامين تدعو للإلحاد أو تنقل تساؤلات حادة عن الدين والعقيدة. تلك المشاهد التي تروج على “تيك توك” لم تعد مجرد أفعال فردية معزولة، بل تحولت إلى موجة تثير الفضول والقلق على حد سواء.
الحسابات التي تنشر هذه المحتويات تبدو للوهلة الأولى عادية، لكنها تحمل أفكاراً تخترق عمق الهوية الثقافية والدينية للمجتمع المغربي. “ما حاجتنا إلى الدين في هذا العصر؟” سؤال يطرحه أحد صناع المحتوى بينما تتراقص الكلمات على أنغام موسيقى عصرية. تعليقات متباينة تنهال تحت الفيديو، بعضها يشيد بـ”جرأة” الطرح، والبعض الآخر يصفه بأنه “تحريض على التخلي عن القيم”.
الانتشار السريع لهذه المقاطع يعكس إقبالاً غير مسبوق من الشباب الذين يجدون في المنصة مساحة حرة تتيح لهم التعبير أو حتى استهلاك المحتوى المختلف. غياب الحاويات الفكرية البديلة يجعل بعضهم ضحية للرسائل التي تُقدم بطريقة تبدو بريئة، لكنها تحمل أبعاداً أعمق. محمد، شاب في العشرين من عمره، يقول: “بدأت أتابع هذه الفيديوهات بدافع الفضول، ثم وجدت نفسي أطرح أسئلة كنت أعتقد أن الإجابة عنها محسومة منذ صغري”.
الدعاة والفقهاء في المغرب يرون في هذه الظاهرة تحدياً كبيراً أمام القيم الدينية المتجذرة في المجتمع. الشيخ عبد الله المكي، وهو أحد علماء الدين البارزين، يقول في إحدى خطبه: “التشكيك في الدين ليس جديداً، لكن الأسلوب الذي يُقدم به اليوم يجعل الشباب أكثر عرضة للتأثر، لأنهم يفتقدون التوجيه السليم وسط هذا الطوفان من الأفكار”.
الأسر المغربية بدورها تجد نفسها أمام معضلة. فاطمة، أم لطفل في الرابعة عشرة، تقول بحسرة: “ابني أصبح يقضي ساعات على التيك توك، ولا أعرف ماذا يشاهد. عندما سألني ذات يوم: كيف أعرف أن الله موجود؟ شعرت بالخوف، ليس من سؤاله، ولكن من الجواب الذي قد يجده على تلك المنصة”.
غياب النقاش المفتوح في المناهج الدراسية والمؤسسات الدينية يترك فراغاً تستغله هذه الحسابات. الدراسات الحديثة تظهر أن الشباب الذين يعانون من أزمات هوية أو يبحثون عن إجابات وجودية يكونون الأكثر عرضة للتأثر بهذه المحتويات. أحد الفيديوهات الذي حصد ملايين المشاهدات كان لصانع محتوى يقول: “الدين يقيد الحرية، والحرية هي كل ما نحتاج إليه لنكون سعداء”. هذا النوع من الخطاب السطحي قد يبدو جذاباً، لكنه يخفي وراءه تجاهلاً للمفاهيم الأكثر عمقاً حول دور القيم الروحية في حياة الإنسان.
الأدلة على خطورة هذه الظاهرة لا تقتصر على المغرب. تقرير صدر مؤخراً عن مركز الدراسات الرقمية بالشرق الأوسط أشار إلى أن 60% من الشباب بين 15 و25 عاماً يستهلكون محتويات دينية أو مناهضة للدين على وسائل التواصل الاجتماعي دون رقابة.
التحرك لمواجهة هذا التيار يحتاج إلى خطوات متوازنة تجمع بين التوجيه الفكري والإبداع الرقمي. برامج توعية تحمل لغة الشباب وروح العصر قد تكون الحل الأمثل. كما أن الاستثمار في منصات مشابهة تقدم محتوى عقلانياً وعصرياً، مع احترام الهوية الثقافية، قد يشكل بديلاً جذاباً.
في النهاية، “تيك توك” لم يكن سوى أداة، لكن الرسائل التي تمر عبره تحمل قوة قد تشكل معالم الجيل القادم. السؤال الذي يجب أن يُطرح: هل نحن مستعدون للانخراط في هذا النقاش، أم سنترك الساحة فارغة لأولئك الذين قد لا يحملون نوايا بريئة؟