مجلس عمالة فاس، مسرح العبث حيث تُنهب المدينة بلا حسيب ولا رقيب.
مشهد مجلس عمالة فاس اليوم يُشبه كوميديا سوداء تُعرض يومياً على خشبة مسرح هزيل، في مدينة بحجم فاس، بتاريخها العريق وأصالتها التي تضرب جذورها في عمق الحضارة الإسلامية، يُفترض أن يكون مجلس العمالة بمثابة المحرك الأساسي للتنمية المحلية، لكن الواقع عكس ذلك تماماً، رئيس المجلس الذي يفتقر لأي رؤية، يبدو وكأنه خرج من صفحات رواية ساخرة، يتأرجح بين الأوهام والتصريحات الفارغة، محاطاً بنواب لا يملكون من السياسة إلا شارات المجلس وسيارات فاخرة، مع أجور شهرية تُغنيهم عن التفكير أو حتى محاولة العمل،
هذا المجلس، الذي تحول إلى ملاذ للكسالى ومنتهزي الفرص، يثقل كاهل خزينة الدولة دون أن يقدم شيئاً يُذكر للمدينة أو لسكانها، فالرئيس، الذي يُفترض أن يكون قائداً للسفينة، لا يبدو أنه يعرف حتى وجهته، والمدينة، التي تعاني من أزمات متراكمة في البنية التحتية، البطالة، والنظافة، تُركت لتغرق بينما هو منشغل بحياكة ميزانيات تُفتش لها عن مخارج “ذكية” لتذهب إلى جيوب محاطة بالحصانة،
نواب الرئيس، أو لنقل “مجموعة الدعم”، ليسوا سوى ديكور باهت في مسرحية هذا المجلس، جلّهم لا يملكون أي تصور أو مبادرة، حضورهم يقتصر على توقيع الحضور، انتظار نهاية الشهر، والاستمتاع بامتيازات المنصب، سيارة هنا، أجرة سمينة هناك، وقليل من التصريحات المنمقة التي لا تساوي الحبر الذي كُتبت به، هؤلاء النواب هم أقرب إلى كومبارس في فيلم رديء، حيث لا أدوار حقيقية، بل مجرد مشاهد جانبية تثير الشفقة،
أما الرئيس، فيبدو وكأنه يعيش في مدينة أخرى غير فاس، ربما في عالم خيالي حيث كل شيء على ما يرام، يحتاج إلى من يوقظه من سباته، ليذكره أن هذه المدينة ليست مزرعة خاصة له ولنوابه، وأن سكان فاس، الذين يعيشون يومياً معاناة حقيقية بسبب سوء التدبير، ينتظرون قرارات جادة ومبادرات تخرج المدينة من مستنقع التهميش، لكن للأسف، يبدو أن انتظار الإصلاح من هذا المجلس أشبه بانتظار الماء من صنبور صدئ،
المراقبون يتساءلون: هل يدرك رئيس المجلس حجم الدمار الذي يُلحقه بهذه المدينة؟ وهل يعلم أن منصبه ليس امتيازاً شخصياً، بل مسؤولية تاريخية يُحاسب عليها أمام الله والناس؟ أم أن الحصانة والسيارات الفارهة شغلته عن هذا الوعي؟
مدينة فاس، التي تستحق إدارة رشيدة تليق بمكانتها، أصبحت رهينة مجلس يفتقر لأبسط معايير الكفاءة والنزاهة، مجلس يُدار كما لو كان زريبة لا قوانين فيها ولا رقيب، الأموال تُهدر، القرارات تتعثر، والخدمات غائبة، وكل هذا تحت مظلة “مجلس عمالة” لا يُنتج سوى التصريحات الجوفاء،
فاس، المدينة التي كانت يوماً منبعاً للعلم والحضارة، اليوم تُحكم بيد قاصرة، وعقول غائبة، مما يجعل من الحديث عن “التنمية” مجرد نكتة مؤلمة. إذا استمر هذا الوضع، فسيأتي اليوم الذي نجد فيه فاس مدينة على هامش التاريخ، يتندر بها الناس كمثال حي على الفشل الإداري والفساد السياسي. فهل سيبقى هذا المجلس على حاله، أم ستظل المدينة أسيرة لمصالحهم الضيقة؟ الإجابة في يد كل فاسي يرفض هذا العبث، فالمواطنون فقط هم القادرون على تغيير المسار، لكنهم بحاجة إلى من يوقظهم من سبات طويل، إلى من يبعث فيهم روح المسؤولية، ليتحركوا من أجل مدينتهم قبل أن تسقط فاس في هاوية لا مخرج لها منها.