هل تتحول الجزائر حقاً إلى قارة؟

“الجزائر قارة”، هكذا وصفها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في تصريح أثار موجة واسعة من التهكم والانتقادات، خاصة في ظل أزمات متصاعدة تعصف بالداخل الجزائري، وتحولات جيوسياسية غير مسبوقة تُهدد استقرارها. بينما تتوالى الأحداث الدولية التي تُعيد تشكيل الخارطة الإقليمية، يبدو أن هذا الوصف أقرب إلى أحلام بعيدة المنال، إذ تواجه الجزائر تحديات كبرى على المستويين الداخلي والخارجي، تُنذر بإعادة صياغة هويتها الجغرافية والسياسية.

في الولايات المتحدة، تتجه الإدارة القادمة إلى اتخاذ مواقف أكثر حزماً تجاه الجزائر. السيناتور ماركو روبيو، المرشح المحتمل لمنصب وزير الخارجية، يضغط باتجاه فرض عقوبات عليها بسبب استمرارها في تمويل روسيا بمليارات الدولارات عبر صفقات التسلح، وهو ما يتعارض مع السياسة الغربية تجاه موسكو. هذا التحرك قد يُشكل بداية لتصعيد أكبر ضد الجزائر، التي باتت تُنظر إليها كحليف يُغذي صراعات إقليمية.

تقارير سرية أخرى تكشف عن نية القوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا، تصنيف جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية، وهو ما سيُدخل الجزائر في خانة الدول الراعية للإرهاب. هذا التطور يُعد مكسباً دبلوماسياً استراتيجياً للمغرب، الذي سيتعزز موقفه في نزاع الصحراء المغربية، ويُمكنه من اقتراح خطوات حاسمة، مثل طرد البوليساريو من الاتحاد الأفريقي.

من جهة أخرى، تعيد فرنسا فتح ملف “الصحراء الشرقية”، وهي المناطق التي استُقطعت من المغرب خلال فترة الاستعمار الفرنسي وضُمت إلى الجزائر. تشير الوثائق التاريخية التي تمتلكها فرنسا إلى ارتباط هذه المناطق بالمغرب تاريخياً، من خلال خرائط ورسائل ولاة المناطق إلى سلاطين الدولة المغربية، مؤكدين ولاءهم البيعة للمملكة الشريفة. إعادة طرح هذا الملف في مجلس الأمن ستكون خطوة موجعة للجزائر، التي طالما استثمرت هذه الأراضي باعتبارها جزءاً من أراضيها.

على المستوى الداخلي، تتزايد الدعوات داخل الجزائر إلى منح الحكم الذاتي لمناطق الطوارق والأمازيغ وجمهورية القبايل، ما يُشير إلى تصدعات عميقة في النسيج الوطني الجزائري. هذه المطالب تُعيد فتح النقاش حول أصل تشكل الدولة الجزائرية وكيف استفادت من إرث استعماري لتوسيع حدودها على حساب جيرانها. إضافة إلى ذلك، يطالب الليبيون، بقيادة خليفة حفتر، باسترجاع أراضٍ اقتُطعت من ليبيا خلال الحقبة الاستعمارية وضُمت إلى الجزائر، ما يُزيد الضغط على النظام الجزائري في هذا الظرف الحرج.

في المقابل، يُواصل المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، نهجه الدبلوماسي الحكيم لتعزيز موقعه الإقليمي والدولي. وفي أحد خطاباته، قال الملك: “إن المغرب يظل على التزامه بالعمل مع شركائه الدوليين، خدمة للسلم والتنمية في إفريقيا، وفي احترام تام لوحدته الترابية”. هذا الالتزام يُترجم عملياً من خلال التحركات المغربية الهادئة والمدروسة لتعزيز موقفه في قضية الصحراء المغربية، وبناء شراكات استراتيجية تُعزز استقراره وتنميته.

وسط كل هذه التطورات، تعيش الجزائر عزلة غير مسبوقة تُهدد استقرارها. التحديات الداخلية، من أزمات اقتصادية واجتماعية وحركات انفصالية، إلى الضغوط الخارجية، تضع النظام الجزائري أمام معادلة صعبة قد تُعيد رسم مستقبل البلاد، وربما تُعيدها إلى حجمها الطبيعي بعيداً عن أحلام “القارة”.

في هذا السياق، يبدو أن كلمات تبون ستظل مجرد أحلام عابرة، بينما يُواصل المغرب مسيرته بثقة نحو المستقبل، مرتكزاً على شرعية تاريخية، واستقرار سياسي، ورؤية حكيمة للملك محمد السادس.

بقلم: محمد القاسمي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى