“العهدُ الجديد” الوهمُ الذي يتنكَّر للماضي ويقتل الحاضر والمستقبل
تتوالى التصريحات، وتتماوج التحليلات، وتُزرع فكرة “العهد الجديد” في أذهان الناس كما لو أنها حقيقة ثابتة، ستمثل نقطة انطلاق نحو مستقبل مشرق؛ لكن، ماذا لو كانت هذه الفكرة نفسها أكبر كذبة يتم ترويجها في فضاء إعلامي مريض؟ ماذا لو كان “العهد الجديد” و”العهد القديم” مجرد اصطلاحات فارغة تُستخدم لتزييف الواقع، والتلاعب بمشاعر المواطنين؟ لا يمكن لأي كلمات أن تقلب صفحة التاريخ بهذه السهولة، وعلينا أن نكون جريئين في محاسبة هذه المصطلحات التي تساهم في تضليل الناس، بدلاً من أن تحفزهم على التغيير الحقيقي.
مروّجو فكرة “العهد الجديد” في المغرب هم مجرد مستغلين للفضاء الإعلامي، لا يقدمون سوى أحاديث زائفة عن تغييرات غير موجودة إلا في خيالهم، يعتقدون أن بترديد هذه الكلمات يمكنهم إعادة تشكيل الواقع، متجاهلين أن التغيير الحقيقي لا يأتي عبر الشعارات الفارغة، بل من خلال العمل المستمر على تحسين الواقع في كل لحظة، “العهد الجديد” لا يعدو أن يكون خرافة تروجها بعض الأقلام، التي تحاول زرع في الأذهان فكرة أن الماضي كان عائقًا، وأن الحاضر هو الفرصة الوحيدة للتغيير، لكن الحقيقة أن الحاضر هو الذي يجب أن يكون بداية التغيير، وليس مجرد مرحلة فارغة تنتظر وعودًا مستقبلية.
هذا التصور الزائف عن التغيير يضر في الواقع بالدولة والمجتمع، لأنه يخلق وهمًا بأن الأمور ستتغير فجأة بمجرد الإعلان عن “عهد جديد”، لكن التغيير لا يرتبط بالمصطلحات الجوهرية، بل بالإرادة الفعلية للعمل في الحاضر، “العهد الجديد” ليس سوى وسيلة لإخفاء التغيير الفعلي الذي يحدث يومًا بعد يوم، ولإلهاء المواطنين عن ما يجب فعله الآن من أجل تحسين واقعهم.
تغيير الأشخاص لا يعني تغيير العهد أو طمس ماضٍ ليبدأ حاضر ومستقبل جديد، التغيير عملية مستمرة ومترابطة، يمكن أن تكون حسنة أو سيئة، ولا يمكن الحكم عليها في لحظتها بل تحتاج سنوات من العمل الجاد والمثابرة لتقييم نتائجها، فكل لحظة في تاريخ هذا الوطن هي جزء من عملية بناء متواصلة، لا تحتمل تفكيكها إلى مراحل وهمية.
إن الحديث عن “العهد الجديد” ليس سوى محاولة لتشويش الحقائق، ومحاولة للهروب من المسؤوليات الحقيقية، أما الحقيقة، فتقول إن التغيير يجب أن يبدأ من الآن، وبأيدينا جميعًا، فلا وقت للمزيد من الانتظارات الفارغة، ولا مجال للمراوغة، يجب أن نعيش في الحاضر، ونسعى بكل جهدنا لتحقيق التغيير الذي نطمح إليه، دون أن ننتظر “العهد الجديد” الذي قد لا يأتي أبدًا.
كما قال الملك الراحل الحسن الثاني: “الدولة لا تقوم على الأوهام، بل على الوقائع والأفعال، ” هذه هي الحقيقة التي يجب أن نتمسك بها اليوم، لنُحسن الحاضر ونبني غدًا أفضل.