آزمور..مصب نهر أم الربيع بين الماضي المشرق و الحاضر المؤلم
بقلم محمد الغوفير
شكل نهر ام الربيع عبر التاريخ المغربي نقطة فصل ما بين الجنوب والشمال، وما بين الإمارات التي حكمت جنوب المغرب و شماله، فخلال البدايات الأولى للصراع على الحكم ما بين الوطاسيين والسعديين تدخل الفقهاء وشيوخ القبائل و اتفقوا على أن يجعلوا من نهر أم الربيع منطقة معزولة بين الدولتين.
ولعل من أكبر الأدوار التاريخية التي لعبها مصب نهر أم الربيع هو تبادل البضائع والسلع ما بين السكان المحليين و الحضارات المتعاقبة على المنطقة من الفينيقيين و الرومان و القرطاجيين و صولا إلى الإحتلال البرتغالي ثم فترة الحماية الفرنسية، فكانت البواخر التجارية تعبر مصب نهر أم الربيع وصولا إلى ميناء آزمور بالقرب من أبواب المدينة القديمة، التي شكلت بوابة دكالة، لتحميل كل أنواع الحبوب والخيول و الأبقار و الأغنام والقطن والأسماك و خاصة سمك الشابل، و حتى العبيد، في اتجاه الأسواق الأوروبية.
لقد لعب مصب نهر ام الربيع ادوارا محورية في تاريخ المغرب، فعلى جنباته تشكلت أقدم التجمعات السكنية والحضارات الإنسانية، لكنه اليوم يعيش أسوء حاله بعدما تنكر له الجميع، وتناست الحكومات الفائتة والحالية دوره الاساسي ومساهمته في بناء الدول والحضارات، التي استقرت بجانب الماء منبع الحياة ومصدرها.
إن من مظاهر و تجليات تجاهل الحكومة الحالية وبالخصوص وزارة التجهيز والماء لدور مصب نهر أم الربيع التاريخي، هو غياب تفاعلها الإيجابي مع توصيات لجنة البنايات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، التي جاءت في تقرير المهمة الإستطلاعية المؤقتة لدورة اكتوبر 2022، السنة السنة التشريعية الثانية 2022-2023، الولاية التشريعية الحادية عشرة 2021-2026، للوقوف على وضعية مصب نهر أم الربيع، والتي ترأسها النائب يوسف بيزيد. هذا التجاهل هو خير دليل على تهاون وتماطل الوزارة في معالجة هذا الملف الذي أثار إستياء جميع سكان دائره آزمور والزائرين لهذه المنطقة السياحية، التي كانت في الماضي القريب متنفسا طبيعيا لكل المغاربة.
إن التلوث الخطير الذي يعرفه مصب نهر أم الربيع بسبب شلالات مجاري المياه العادمة التي تنهال عليه من جميع الجماعات الترابية المجاورة و المصانع، جعل منه بركة مائية تهدد حياة الكائنات النهرية من سمك وطحالب…، وكذلك حياة ساكنة مدينة آزمور و الجماعات الترابية المجاورة، بسبب إنتشار الروائح الكريهة في الهواء المحملة بالفيروسات و البكتيريا المضرة للصحة البشرية.
و نظرا لتلوث مياه النهر أصبحت السباحة به محفوفة بالمخاطر لما تسبب مياهه من أمراض متعلقة بالعيون و الجهاز التنفسي و الأمراض الجلدية….
كل هذا، والوزارات المعنية ما زالت تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه المعضلة البيئية الكارثية، و رغم تنبيهات جمعيات المجتمع المدني و توصيات لجنة البرلمان التي ضمت 11 نقطة من أهمها:
- الخروج من دائرة الحلول المؤقتة، والإنتقال مباشرة الى الحل الجذري لمشكل مصب نهر أم الربيع، وهو الغاية الملحة والمستعجلة والمتمثلة في تنزيل مشروع مندمج لتهيئة المصب وضفة الواد، بناء على اتفاقية شراكة تساهم فيها وزارة التجهيز والماء، وجميع القطاعات الوزارية المعنية، الى جانب مجلس جهة الدار البيضاء-سطات، و المجلس الإقليمي للجديدة، و الجماعات الترابية المطلة على الواد، و باقي المؤسسات الفاعلة و منها المكتب الشريف للفوسفاط… إلخ
- تحديد تصميم التهيئة لمدينة آزمور في اتجاه توسيع مجالها الترابي، ليشمل مصب وضفتي نهر أم الربيع…
- إحداث وكالة خاصة بتهيئة مصب و ضفتي أم الربيع على غرار واد ابي رقراق، أو تكوين لجنة خاصة للتتبع و الإشراف، و إن تعذر الأمر يجب قيادة المشروع من طرف وزارة التجهيز والماء أو وزارة الداخلية أو جهة الدارالبيضاء-سطات أو المجلس الإقليمي للجديدة أو غيره.
- ضرورة تجنب وضع الرمال المزالة من المصب في مكان قريب من هذا الأخير حتى لا تعود إليه بسهوله بعد فترة وجيزة.
- قيام الجهات المعنية بما يلزم للإسراع في إنجاز محطة معالجة المياه العادمة بآزمور.
و بين احتجاج المجتمع و توصيات ممثلي الشعب يأتي خطاب صاحب الجلالة نصره الله و أيده خلال افتتاح الدورة التاسعة للمجلس الأعلى للماء و المناخ بتاريخ 21 يونيو 2001، ليؤكد على الضرورة الملحة و المستعجلة لتدبير إشكالية الموارد المائية و الحفاظ عليها من التلوث قائلا: ” لهذا فقد آن الأوان لنغير جدريا نظرتنا و سلوكنا تجاه الماء من خلال تدبير الطلب عليه و عقلنة استهلاكه، مع مواصلة الجهود من أجل تعبئة كافة الموارد المائية القابلة لذلك…و نظرا للتأخر المسجل على مستوى الصرف الصحي للمياه المستعملة، يتعين وضع تصورات عملية من شأنها المساعدة على حماية مصادر المياه من التلوث…”.