مجلس عمالة فاس صفقات وهمية وأجندات سياسية على حساب مصلحة المدينة.
في ظل الزخم الإصلاحي الذي تقوده الدولة، ومع تزايد الجهود لإعادة هيكلة المدن المغربية على أسس حديثة، يبدو أن مجلس عمالة فاس، بقيادة أعضاء حزب التجمع الوطني للأحرار، لا يزال غارقًا في سياساته القديمة التي تتخذ من المصالح الضيقة عنوانًا لها، حيث تتعثر وتيرة الإصلاح المحلي في فاس بسبب مجموعة من القرارات التي تثير الكثير من التساؤلات حول نزاهة القائمين على هذا المجلس.
إذا كان يُفترض أن يكون مجلس عمالة فاس عاملًا فاعلًا في تجسيد إرادة الإصلاح التي تشهدها البلاد، فإنه بدلًا من ذلك، يبدو أن أعضائه منشغلين بتخصيص ميزانيات ضخمة لأمور تافهة، تمتلئ بالألاعيب السياسية التي تروج لها الجمعيات “الصديقة” التي تمول من المال العام تحت ستار “التنمية المحلية”، ولكن الحقيقة المرة أن هذه الجمعيات ليست سوى واجهات انتخابوية لتحقيق مصالح شخصية ضيقة، لا علاقة لها بتطوير المدينة أو خدمة المواطنين، والأدهى من ذلك، أن هذه الأموال تُستنزف في تمويل مشاريع غير ذات جدوى، بينما تبقى احتياجات المدينة الحقيقية معلقة ومهملة.
هل يملك هؤلاء المسؤولون الجرأة على الخروج من جحورهم والظهور أمام الرأي العام لتوضيح ما يحدث في كواليس مجلسهم؟ هل هم قادرون على عقد ندوة صحفية، يتحدثون فيها بوضوح عن كيفية تدبير الميزانيات المرصودة لمجالات عدة، وعن الخطط المستقبلية التي من المفترض أن تنهض بالمدينة؟ أم أنهم سيستمرون في سياسة “الاختباء”، الحضور في الدورات الرسمية للتصفيق فقط، ودعم المؤسسات التي تخدم أجندات سياسية بعيدة عن مصلحة فاس والمواطنين؟
المشكلة ليست في هؤلاء النواب الذين يذهبون مع الرياح السياسية، بل في غياب الشفافية التامة، غياب الرؤية المستقبلية الواقعية، واستمرار سياسة الإغراق في المشاريع الخدمية ذات الطابع الانتخابوي، التي لا تُحدث فرقًا حقيقيًا في حياة المواطن الفاسي، فمجلس عمالة فاس اليوم في الواقع بعيد كل البعد عن تطلعات سكان المدينة الذين يطمحون إلى أن يكون المجلس محركًا حقيقيًا للتغيير والتنمية المستدامة، وليس أداة لخدمة الأجندات الحزبية الضيقة.
عندما يتم الحديث عن بناء مدينة حديثة ومتطورة، فإن هذا لا يتطلب فقط إنفاق الأموال، بل يتطلب الشجاعة السياسية والإرادة الحقيقية لتغيير الواقع المعيش، لكن في فاس، يبدو أن بعض الأعضاء يفضلون الوقوف على الهامش والتصرف وفق مصالحهم الشخصية، في ظل غياب آليات المحاسبة الحقيقية، ورغم أن الدورات تعج بالمناقشات، فإن الحقيقة الواضحة هي أن فاس، المدينة العريقة، لا زالت تكابد من أجل الحصول على التنمية المنشودة.
إلى متى سيظل مجلس عمالة فاس محكومًا من قبل قيادات سياسية تبحث عن مصالحها الشخصية، بعيدة عن هموم المواطن الفاسي؟ هل ستستمر هذه السياسات التي تضع المصلحة العامة في آخر أولوياتها، أم سيكون هناك يومٌ تُفتح فيه الملفات وتُحاسب هذه النخب على تقاعسها؟ في هذا الواقع المليء بالشكوك، تظل الإجابة غائبة، ومصير المدينة يظل رهينًا بسياسات المجلس التي لا تلتزم بأدنى معايير الشفافية.
ورغم كل شيء، يبقى ولد الفنان الراحل قويدر رجل طيب، لكن المحيط من حوله يبدو كالعاصفة التي لا تهدأ، كلما حاول الوقوف، زادت الرياح تعصف به، وكأن المدينة بأسرها قد تجمعت ضد نيته الطيبة، لا مكان هناك لتخطيطه المثالي، ولا فسحة لإرادته الصادقة، كل خطوة يخطوها تقابله معركة جديدة مع العوامل التي لا تراعي الطيبين، حيث يجد نفسه عالقًا بين ركام القرارات والتحديات التي لا تنتهي، المحيط لا يساعده، بل يعيقه وكأن المدينة باتت سجنًا يعاند فيها القيد.
أما ولد الودغيري، فحماسته لبناء المدينة تبدو كاللهب الذي يشتعل في داخله، الحماسة التي تدفعه للعمل، ولكنها تقف عاجزة أمام الحقيقة المرة، فهو يفتقد لما هو أهم: الجدية، والمسؤولية، والحس السياسي الذي يفرض على الواحد أن يعرف متى يوقف الشطحات ويشرع في العمل الجاد. تبدو خططُه وكأنها محاولة لحل لغز، وفي كل مرة يظهر فيه، يضيع البعض بين الأفكار، وتبقى رؤيته السياسية كالسحاب الذي لا يظل في السماء طويلاً، ينقضُّ عليه كلما اقترب من الأرض، استقراره السياسي في مكانٍ ما بين الحلم والواقع، وعينه على المستقبل، لكن قدماه لا تتحركان بما يكفي ليحقق شيئًا ذا قيمة.