أقلام مغربية تغازل ق.ت.ل.ة الأطفال.
الانحطاط الأخلاقي في بعض الخطابات الإعلامية بالمغرب حقيقة مؤلمة، تعكس بُعداً مريباً عن القيم التي رسخها تاريخ المقاومة الوطنية، في زمنٍ تتعالى فيه أصوات المستضعفين من غزة، وتُسطر فيه المقاومة ملاحم العزة بدماء أبنائها، نجد بيننا من يرفع شعارات السلام المزيف ليبرر خيانة علنية للمبادئ والقيم، مُتنكرين لتاريخهم الوطني ومُتناغمين مع روايات القتلة.
كيف لأبناء المغرب، بلد الريف الذي قهر الإمبراطوريات بدماء رجاله ونسائه، أن يصبحوا صوتاً يُبرر جرائم الاحتلال الصهيوني؟ أليس في ذلك صفعة للتاريخ وذاكرة الكفاح؟ إن الذين يتشدقون علناً بمواقف تصطف إلى جانب هذا الكيان الغاصب، لا يدركون أن كلماتهم تُدنس قيم النضال، وتُحطم أواصر التضامن مع قضية هي في جوهرها امتداد لنضالات أجدادنا ضد الاستعمار.
الفيلسوف الإيطالي أنتونيو غرامشي يقول: “الأزمة تحدث عندما يموت القديم، ويعجز الجديد عن الولادة.” ونحن اليوم في المغرب نعيش أزمة فكرية وأخلاقية، حيث يختلط الحق بالباطل، ويصبح الوقوف مع الضحية جريمة، والتعاطف مع الجلاد موقفاً مستنيراً، إن تبرير جرائم الاحتلال أو الصمت عنها ليس سوى شكل آخر من أشكال الاحتلال الداخلي الذي يضرب القيم من جذورها.
تاريخ المغرب المقاوم، من جبال الريف إلى سهول الأطلس، يُعلمنا أن الحرية تُنتزع، وأن الكرامة لا تُشترى، كان أجدادنا يواجهون رصاص المستعمر بصدور عارية، ويُتهمون بالإرهاب، تماماً كما تُتهم اليوم المقاومة الفلسطينية، لكن الفرق أن أولئك لم يخونوا قضيتهم، ولم ينحازوا إلى صفوف المحتل، كما يفعل بعض المتشدقين اليوم بالسلام وهم يبيعون شرف الكلمة.
إن المواقف المتخاذلة لا تهدم فقط القضية الفلسطينية، بل تقوض أسس المجتمع المغربي القائم على قيم التضامن والكرامة، وكما قال الملك محمد السادس: “القضية الفلسطينية قضية أمة، والدفاع عنها واجب على كل مغربي حر.” هذه الكلمات تختصر موقفاً أخلاقياً لا يحتمل التردد أو المساومة، وتكشف زيف كل من يطبعون أقلامهم مع الاحتلال.
الحضارة التي ننشدها لن تُبنى على جثث القيم أو خيانة المبادئ، بل ستتأسس على أصوات الحق التي ترفض الانحناء، وعلى أكتاف أحرارٍ يدركون أن القضية الفلسطينية ليست مجرد شأن سياسي، بل امتحان إنساني يكشف الفرق بين من يتمسك بالحق، ومن باع نفسه للباطل.