تصريحات أحمد التوفيق كرة الثلج بين العلمانية والإسلام
بقلم : إدريس الغنبوري
تحولت تصريحات وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق إلى كرة من الثلج تكبر وهي تدور، فبينما يشهد المغرب اليوم معركة فكرية بين خصوم العلمانية ودعاتها، يقف الوزير في موقع محوري، حيث يتعين علينا قياس المسافة بينه وبين الطرفين، فكل طرف يرى نفسه أقرب إلى الوزير وفقاً لتوجهاته. في هذا السياق، يبدو أن دعات العلمانية في المغرب يعيشون اليوم حالة من الفرح بعد تصريحات الوزير، بينما يقف البعض الآخر في قلقٍ متزايد، وهم الذين ينظرون بعيداً في هذا الجدل العميق.
تصريحات الوزير، التي لم تكن لتُمر مرور الكرام، تحمل في طياتها آثاراً قد تكون سلبية في المراحل المقبلة. إلا أن النقاش بين العلمانية والإسلام اليوم يتخذ منحى خاصاً، حيث يبقى الرأي العام في مرحلة ضبابية، بينما يبدو أن الرأي العلماني لا حدود له. ففي تصوره، ليس مجرد مناقشة الدين هو ما يهم، بل مناقشة علاقة الدين بالدولة، وهو أمر غير قابل للتحقق في الوقت الحالي في المغرب.
ما يثير الانتباه في هذا النقاش هو التحول الذي شهدته الخطابات السياسية مؤخراً. فقد انتقلنا من خطاب تقليص صلاحيات الملكية إلى خطاب تقليص صلاحيات إمارة المؤمنين، وهو خطاب يتضخم منذ سنوات، ويجد له أنصاراً ومؤيدين. هؤلاء يعتقدون أن العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة، لكنهم يغفلون حقيقة أن الدولة في المغرب ليست كالدولة الفرنسية أو المجر، فهي دولة ذات جناحين: جناح مدني تمثله الدولة الحديثة ومؤسساتها، وجناح ديني تمثله مؤسسة إمارة المؤمنين.
النقطة الجوهرية في هذا الجدل تكمن في أن الجناح المدني في المغرب هو علماني بالمعنى التقليدي، إذ لا علاقة له بالدين، بل يقتصر على تدبير شؤون المواطنين. بينما الجناح الديني المتمثل في إمارة المؤمنين هو مؤسسة ذات خصوصية تاريخية، وهي ليست علمانية لأنها سابقة على الدولة الحديثة، ومُلزمة بتوجيه الخيارات الكبرى للدولة وفقاً لمقتضيات الدين والشريعة.
وهنا تبرز مفارقة كبيرة: في المغرب، نلتزم بالقيم الدينية من خلال القوانين المدنية التي تفرض الثوابت الدينية على المجتمع، في حين أن البلدان العلمانية مثل فرنسا تلتزم بثوابت مدنية وليست دينية. ففرنسا على سبيل المثال، لا تحدد الثوابت الكاثوليكية، بل الثوابت الجمهورية، مما يوضح الفرق الجوهري بين العلمانية في سياقنا والمفهوم العلماني المتعارف عليه عالمياً.
إن الجدل حول العلمانية في المغرب اليوم يحمل في طياته تداعيات مستقبلية كبيرة. للأسف، يبدو أن هذا النقاش يدور بتوجيهات معينة، لكن من الصعب التنبؤ بما سيحدث مستقبلاً، حيث لا يمكن التحكم في مجريات الحوار مع مرور الوقت.