قراءة نقدية في بيان العدل والإحسان حول مدونة الأسرة.. شعارات فارغة وبلا حلول
جاء بيان جماعة العدل والإحسان حول تعديل مدونة الأسرة محمّلاً بشعارات دينية عامة وانتقادات لاذعة للتعديلات المقترحة، لكنه خلا من أي رؤية عملية يمكن أن تسهم في تحسين أوضاع الأسرة المغربية. وبينما يقدم البيان خطاباً يدّعي الدفاع عن القيم الإسلامية والمصلحة العامة، فإنه يتسم بالجمود وعدم الواقعية في التعامل مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأسر المغربية.
غياب البدائل العملية
ركز البيان على انتقاد التعديلات المرتقبة، معتبراً أنها “تحايل على شرع الله” واستجابة لضغوط خارجية، لكنه لم يقدم بدائل عملية أو مقترحات محددة لمعالجة المشكلات الأسرية. الأسرة المغربية تواجه تحديات حقيقية، مثل ارتفاع معدلات الطلاق وتفاقم العنف الأسري وتزايد الأعباء الاقتصادية. هذه المشكلات لا تُحل بمجرد التمسك بالشعارات أو العودة إلى خطاب ديني متشدد، بل تتطلب إصلاحات شاملة تراعي المستجدات المجتمعية وتوازن بين حقوق جميع الأطراف.
اجتهاد فقهي أم جمود فكري؟
ادعت الجماعة أن التعديلات المقترحة تتجاهل “المرجعية الشرعية”، لكن الاجتهاد الفقهي لطالما كان سمة من سمات الشريعة الإسلامية، التي تأخذ في الاعتبار تغير الزمان والمكان. التمسك بقراءات تقليدية للنصوص دون مراعاة تطورات العصر لا يؤدي إلا إلى تعميق الهوة بين المجتمع والمؤسسات الدينية، وهو ما ينعكس سلباً على تماسك الأسرة واستقرارها.
خطاب يتجاهل الواقع
بيان العدل والإحسان انتقد، على سبيل المثال، مقترحات تتعلق بالإرث واحتفاظ الزوجة أو الزوج ببيت الزوجية بعد الوفاة، معتبراً ذلك تعدياً على النصوص الشرعية. لكن هذا الطرح يغفل واقعاً مجتمعياً جديداً، حيث أصبحت المرأة شريكاً اقتصادياً رئيسياً في الأسرة. التعديلات المقترحة تسعى لتحقيق التوازن بين الشريعة ومتطلبات الحياة المعاصرة، وليس التحايل عليها كما يزعم البيان.
استغلال سياسي للقضية
من الواضح أن بيان الجماعة يحمل طابعاً سياسياً أكثر منه ديني أو اجتماعي. اتهام الدولة بالاستجابة لإملاءات خارجية أو الرضوخ لضغوط دولية يعكس محاولة لاستثمار قضية الأسرة في صراع سياسي أيديولوجي. المغرب دولة ذات سيادة، والتعديلات المقترحة جاءت في سياق نقاش داخلي وتشاور بين مختلف الفاعلين، وليس نتيجة إملاءات خارجية كما يدعي البيان.
الحاجة إلى إصلاحات شاملة
الجماعة تتحدث عن الحفاظ على الأسرة وتماسكها، لكنها تتجاهل أن القوانين وحدها لا تكفي لحل المشكلات. إصلاح أوضاع الأسرة المغربية يتطلب جهوداً شاملة، تشمل تحسين النظام التعليمي، تعزيز الوعي بقيم الحوار والشراكة، محاربة الفقر والبطالة، وتقوية دور القضاء في إنصاف الجميع. التعديلات القانونية جزء من هذه الجهود وليست الحل الكامل، لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح.
في الختام
بيان جماعة العدل والإحسان حول تعديل مدونة الأسرة يعكس نهجاً تقليدياً يفتقر إلى الواقعية والمرونة. بدلاً من انتقاد التعديلات واتهام الدولة بالتحايل على الشريعة، كان الأجدر بالجماعة تقديم مقترحات بناءة تسهم في تطوير المدونة بما يحقق المصلحة العامة. الأسرة المغربية تحتاج إلى قوانين عادلة وعصرية تعزز استقرارها وتماسكها، وليس إلى شعارات فضفاضة تكرّس الجمود والتراجع.