تذكروا أننا يوما أحرقنا كتب ابن رشد

بقلم : محمد هلالي

بقي ابن رشد في البلاط الموحدي في مراكش حتى توفي الخليفة وخلفه ولده المنصور، الذي غضب على ابن رشد، واتهمه بالزندقة، ونفاه إلى قرية اليسانة في الأندلس، التي كان يسكنها أغلبية من اليهود، وأحرق كتبه، بل وأصدر منشورا يحرم قراءة كتب الفلسفة، لكنه بعد أعوام راجع نفسه وعفا عنه، فعاد ابن رشد إلى مراكش حيث توفي ودفن فيها عام 595 للهجرة، ثم نقل رفاته فيما بعد إلى مسقط رأسه في قرطبة.

من أشهر أقواله: “من العدل أن يأتي الرجل من الحجج لخصومه بمثل ما يأتي لنفسه”، و”الحسن ما حسنه العقل، والقبيح ما قبحه العقل”، و”لو سكت من لا يعرف، لقل الخلاف”.

مناسبة هذا الحديث ما نراه اليوم من خطاب منسق له وجهة واحدة وغاية فريدة هي وضع الناس بين خيار رفض ما يروج من تحديث لمدونة الأسرة وبين إيهامهم أنهم بذلك متشبتون بدينهم مؤمنون بربهم أكثر من غيرهم…

دعاة جدد …نجوم على الويب ، يتفننون في تبخيس جهد الاجتهاد ، يحاججون بكلام حق يراد به باطل ، فتراهم يخاطبون مريديهم ، ” هل تهتمون بما هو قانوني ام ما هو شرعي ؟ ” ، موهمين الجمهور ان القانوني في واد والشرعي في واد آخر ، لكنهم أغفلوا ان يذكروا أنه على مر السنوات والحقب ، وعلى مدى تطور البشرية كم أمرا كان بالأمس ضرورة شرعية ملحة وأصبح اليوم متجاوزا ، لن يقبل به أحد …بما في ذلك هم أنفسهم.

لا يترددون في دفع الجمهور نحو رفض التحديث ، بطرق اقرب للمكر ممزوج بهزل مبتذل ، مع تخويف وتهويل من المستقبل ، و تمجيد للماضي ، مع دفع الناس وتشجيعهم للتصرف خارج القانون مستقبلا بدعوى التشبت بالدين الحق …

أليس هذا تحريض على العصيان ؟
تحريض على العلم والتجديد ، تحريض على النشطاء والديمقراطيين و العلمانيين والمفكرين و الكتاب و الفنانين والممثلين …
انه مثل ما قام به القدماء !
إحراق كتب الفلسفة والمنطق !
إنهم انفسهم من قام بإحراق كتب ابن رشد …

ان مقاومة التغيير اليوم و تأجيله سيكون له آثار وخيمة على الاجيال القادمة ، لقد انتظر المهتمون بالحقوق عشرون سنة ليعيشوا لحظة هذه المحطة ، فهل يعقل ان ينتظروا عشرون أخرى ليقف القطار مرة أخرى . التاريخ لا يرحم ومستقبل الغد يقرر اليوم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى