نيران الكراهية أخطر من حرائق كاليفورنيا
“النار لا تُطفئ النار، بل يزيدها اشتعالًا”، هذا ما قاله الفيلسوف الهندي مهاتما غاندي، وهو قول يليق بواقعنا حين نرى البعض من المسلمين يتشفّون في الكوارث التي تضرب العالم، وكأنهم وكلاء السماء الذين يوزّعون غضبها على البشر، وآخر هذه المشاهد المؤلمة كانت في حرائق كاليفورنيا، حيث تحوّل الحريق الطبيعي إلى مرآة عكست ألسنة اللهب في قلوب بعض الناس ممّن نسوا أنّ إنسانيّتنا واحدة، وأنّ الكارثة لا تختار بين مسلم ومسيحي ويهودي أو ملحد.
يا عباقرة التشفي، هل تعلمون أنّ كاليفورنيا تحتضن واحدة من أكبر الجاليات العربية والمسلمة؟ هناك نصف مليون مسلم، وأكثر من 250 مسجدًا، بعضها احترق وتحول إلى رماد، مثل مسجد التقوى، أليس هذا المسجد رمزًا لدينكم؟ ألم يتضرر منه أناس يُصلّون إلى الله بجواركم في صفوف واحدة؟
ثم ماذا عن التكنولوجيا التي بين أيديكم اليوم؟ هل تعلمون أنّ معظمها خرجت من أرض كاليفورنيا؟ ياهو، جوجل، آبل، واتساب، تويتر، تيسلا، هذه الأسماء ليست مجرد شركات، بل هي أدوات غيّرت العالم، وجعلت الإنترنت الذي تستغلونه اليوم للتعبير عن كراهيتكم ممكنًا، ألا تشعرون بشيء من التناقض؟
“الكراهية تولّد الجهل، والجهل أشدّ أنواع الفقر”، هكذا قال الإمام الغزالي، وها نحن نرى اليوم ثمار الفقر الفكري الذي يجعل البعض ينظر إلى الحرائق على أنها انتقام إلهي، أيُّ إله هذا الذي يفرح بدمار الأرض التي جعلكم خليفةً عليها؟ وأيُّ دين هذا الذي يُسرّ بمنظر الجثث والرماد؟
إنّ النار، كما قال أحد الحكماء، لا تسأل عن ديانة ولا جنسية ولا لون بشرة، إنّها تحرق الجميع بلا استثناء، فهل تتصوّرون أن الله يريد للناس الهلاك دون تفريق بين ظالم ومظلوم؟ وهل هذا ما تعلّمتموه من تعاليم الإسلام الذي قال رسوله صلى الله عليه وسلم: “من لا يَرحم لا يُرحم”؟
أيتها العقول المشتعلة بنار الجهل، آن الأوان لإطفائها، بدل أن نصفّق لحرائق الآخرين، لنشعل شمعة الأمل ونمد يد العون، الكارثة التي تضرب إنسانًا في أقصى الأرض قد تمتد لتصبح كارثتنا جميعًا، فالعالم قرية صغيرة، وكما قال ألبرت آينشتاين: “العالم مكان خطر ليس بسبب أولئك الذين يفعلون الشر، ولكن بسبب أولئك الذين ينظرون ولا يفعلون شيئًا”.
آن الأوان لأن نستبدل منطق الكراهية بمنطق التعاطف، بدل أن نفرح بنيران الحرائق، فلنطفئ نيران الجهل في عقولنا، العالم ليس بحاجة إلى مزيد من اللهب، بل بحاجة إلى عقول تزرع الخير، وأيدي تبني، وقلوب تتعاطف مع كل مخلوق، لأنّ الإنسان هو الإنسان في كل مكان.