“توريرت.. مدينة تنام على أرصفة البؤس وتصحو على صمت المسؤولين”

بقلم:راغب سهيلة

تستيقظ مدينة توريرت يوميًا على مشهدٍ مأساوي يزداد حدة مع مرور الوقت. مشردون يفترشون الأرصفة، يعتلون أبواب المحلات، ويتخذون من زوايا الطرقات ملجأً يقيهم قسوة الليل والبرد. المدينة، التي كانت يومًا ما محطة عبور حيوية بين الشرق والغرب المغربي، أصبحت اليوم شاهدة على مآسٍ إنسانية متكررة ترويها شوارعها دون انقطاع.

لا يخفى على أحد أن توريرت، برغم موقعها الاستراتيجي وشهرتها كبوابة للطريق السيار، تعاني تهميشًا صارخًا على مختلف الأصعدة.

هذا التهميش لا ينعكس فقط في بنيتها التحتية المتدهورة أو في غياب مشاريع اقتصادية تنعش ساكنتها، بل يظهر جليًا في وجوه أولئك الذين لفظتهم الحياة، وحكمت عليهم الظروف القاسية بالتشرد والتسكع في الأزقة بلا مأوى.

هؤلاء ليسوا مجرد أرقام في إحصاءات رسمية أو ظواهر اجتماعية عابرة؛ هم رجال ونساء وأطفال يحملون على أكتافهم حكايات من البؤس والخذلان.

تتفاقم الأزمة يومًا بعد يوم، فالليل في توريرت يحمل معه شبح العراء، والبرد الذي يفتك بالأجساد الهشة. لا مبادرات واضحة، لا حلول ملموسة، ولا اهتمام حقيقي من الجهات المعنية.

المواطنون بدورهم، بين متعاطف ومنتقد، ينظرون إلى هؤلاء المشردين كأيقونة أخرى للفشل الجماعي في احتواء أبسط الأزمات الإنسانية. ما الذي يدفع شخصًا للنوم على الإسفلت؟ أهو الفقر؟ البطالة؟ أم غياب شبكة أمان اجتماعي تحميه من السقوط الحر نحو هذا المصير القاسي؟

عند جولة عابرة في أحياء المدينة، تلتقط العين مشاهد تستفز القلب قبل العقل. طفل في العاشرة يحتضن كلبًا ليشاركه غطاءً مهترئًا، رجل في الستين يحاول التدفئة بصندوق كرتوني بالكاد يقيه الصقيع، وامرأة تجلس على الرصيف واضعة رأسها بين يديها وكأنها تبحث عن مخرج من متاهة مظلمة لا نهاية لها.

الغريب أن كل هذا يحدث في ظل وجود مؤسسات حكومية يُفترض أنها معنية بمثل هذه القضايا، وجمعيات مدنية يفترض أن تكون أكثر قربًا من معاناة الناس. أين ذهبت تلك الشعارات الرنانة عن المساعدة والتضامن؟ لماذا تحوّلت التدخلات إلى مجرد مناسبات دعائية تهدف إلى تحسين الصورة بدلًا من تغيير الواقع؟

المسؤولية هنا جماعية؛ المجتمع بأسره متورط، سواء بالصمت أو بالتجاهل. سكان توريرت يتحدثون في مجالسهم عن المشكلة، لكنهم نادرًا ما يتحركون لإحداث تغيير. البعض يكتفي بإلقاء اللوم على “الدولة”، والبعض الآخر يعتبر هؤلاء المشردين مجرد “عالة” على المدينة، بينما الحقيقة أكثر تعقيدًا من مجرد توزيع اللوم.

توريرت اليوم في حاجة ماسة إلى نهضة أخلاقية واجتماعية تُعيد تعريف مفهوم الإنسانية بين سكانها. لا يمكن أن تستمر المدينة في تجاهل هذا الجرح النازف على أرصفتها، ولا يمكن للمسؤولين أن يظلوا في موقع المتفرج.

الوقت قد حان لتفعيل خطط عاجلة توفر لهؤلاء المأوى والرعاية، وتحارب جذور المشكلة بدلًا من الاكتفاء بترقيعات مؤقتة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى