أسباب سقوط سوريا: غياب العدالة الاجتماعية وأثره في تفكيك الدولة والمجتمع

تشكل العدالة الاجتماعية إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها العقد الاجتماعي، الذي يضمن المساواة بين أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات. ولكن غياب هذه العدالة كان معضلة رئيسية في سوريا، حيث لم تُحكم البلاد بنظام دستوري ينظم العلاقة بين الدولة والمجتمع، بل خضعت لولاءات فردية وطبقية للحاكم وعائلته. هذا الخلل أدى إلى اختلالات عميقة في توزيع الثروات وغياب المساواة، مما خلق بيئة اجتماعية متفجرة وأزمة سياسية واقتصادية مزمنة.

في سوريا، ارتبط توزيع الثروات والفرص بالولاء للنظام الحاكم، وليس بالاستحقاق أو الكفاءة. هذا النظام القائم على “الوساطة والقوي” خلق مجتمعات غير مستقرة، حيث انعدمت العدالة الاجتماعية التي تُعتبر أساس استقرار المجتمعات. ومع تغلغل الأجهزة الأمنية في مفاصل الدولة، تم إضعاف الشعور بالانتماء الوطني لدى المواطن السوري، الذي بات يرى الوطن ككيان يخدم الطبقة الحاكمة ومصالحها الشخصية فقط.

فرضت الطبقة الحاكمة قانوناً ضمنياً ينظم العلاقات الاجتماعية في البلاد، حيث أصبحت الوساطة والمحسوبية والولاء للحاكم هي المعايير الوحيدة للحصول على الحقوق أو الوظائف. هذا الوضع أضعف المؤسسات وأفرغها من الكفاءات، ودفع بأصحاب العقول والخبرات إلى الهجرة، حيث أصبحت سوريا بيئة طاردة للمبدعين والمختصين.

هذا الفساد الإداري والسياسي أدى إلى تفاقم الفجوة بين طبقتين رئيسيتين: طبقة حاكمة وبطانتُها المستفيدة، وطبقة واسعة محرومة وفقيرة. وبينما استحوذت الطبقة الحاكمة على الثروات والمناصب، ظلت الطبقة الكادحة تكافح لتأمين الحد الأدنى من العيش الكريم، مما عزز مشاعر الإحباط واليأس لدى الشعب.

كشفت ثورة 2011 مدى تغلغل الفساد والاستبداد في بنية النظام السوري. فقد أظهرت البطانة المستفيدة من النظام، التي ترسخت على مدى عقود، استعدادها للوقوف ضد إرادة الشعب، واستخدام الأجهزة الأمنية والقوة للحفاظ على امتيازاتها. أنتج ذلك نموذجاً أشد قسوة من الاستبداد، حيث استمرت هيمنة النظام الحاكم على موارد الدولة ومقدراتها، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الأخلاقية والاجتماعية، وترسيخ بيئة سياسية واقتصادية غير قابلة للإصلاح.

اليوم، تعاني سوريا من آثار ذلك النظام المستبد الذي قوض العدالة الاجتماعية، وأضعف المؤسسات، وعمق الفجوات الطبقية. ولا يمكن للمجتمع أن ينهض دون إعادة بناء عقد اجتماعي حقيقي قائم على المساواة والعدالة، وإزالة الأسباب التي أدت إلى انهيار قيم الانتماء والوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى