“أطفال الناظور.. بين قسوة الشوارع وضياع الطفولة”

بقلم:راغب سهيلة

ينتشرون على الأرصفة وفي مفترقات الطرق، يحملون المناديل الورقية أو يمدون أيديهم طلبًا للعون، بينما تمر السيارات مسرعة، وكأنهم جزء من المشهد المعتاد.

أطفال صغار، بعضهم لم يتجاوز العاشرة، تركوا دفاترهم المدرسية وألعابهم خلفهم ليواجهوا حياة قاسية في شوارع مدينة الناظور، حيث تحولت البراءة إلى وسيلة للبقاء وسط غياب أي حلول ملموسة لهذه الظاهرة المتفاقمة.

يعيش هؤلاء الأطفال يومهم بين ضجيج السيارات ونظرات عابرة من المارة، يبحثون عن لقمة عيش تسد رمقهم ورمق عائلاتهم التي دفعها الفقر المدقع إلى إرسالهم للشوارع.

مشهد يثير التساؤل عن المسؤولية الملقاة على عاتق الجميع، من أسرهم التي تعيش تحت وطأة الحاجة، إلى الدولة التي تبدو عاجزة عن توفير نظام حماية اجتماعي يضمن لهؤلاء الأطفال الحد الأدنى من حقوقهم.

تشير شهادات بعض المواطنين إلى أن الظاهرة آخذة في الانتشار بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، حيث لم تعد تقتصر على فئة عمرية معينة، بل شملت أطفالًا صغارًا بالكاد يستطيعون التعبير عن أنفسهم. ورغم التدخلات الخجولة لبعض الجمعيات المحلية، إلا أن حجم المأساة يتطلب جهودًا أكبر من جميع الأطراف. يرى البعض أن غياب الرقابة الفعالة وافتقار المنطقة لبرامج اجتماعية تستهدف الفئات الهشة ساهم في تعميق الأزمة، ما جعل الشوارع ملاذًا وحيدًا لهؤلاء الأطفال.

يرتبط هذا الواقع بسلسلة معقدة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية، حيث يعاني كثير من سكان الناظور من بطالة متفشية وغياب فرص عمل مستدامة، الأمر الذي يدفع الأسر إلى البحث عن أي مصدر دخل، حتى لو كان ذلك على حساب مستقبل أطفالها.

وبينما تتحمل العائلات جزءًا من المسؤولية، فإن غياب سياسات فعالة لمعالجة الفقر وضعف البنية التحتية للتعليم في المناطق الهامشية يزيدان من حدة الأزمة.

المأساة لا تتوقف عند الجانب الاقتصادي فقط، بل تمتد لتشمل مخاطر يومية تهدد حياة هؤلاء الأطفال، من حوادث السير إلى الاستغلال بأنواعه المختلفة.

تتحدث بعض التقارير المحلية عن حالات أطفال تعرضوا للعنف أو الاستغلال أثناء وجودهم في الشارع، في ظل غياب أي رقابة أو حماية قانونية تردع مثل هذه الانتهاكات.

ورغم إدراك الجميع لخطورة الوضع، إلا أن الاستجابة ما زالت دون المستوى المطلوب، سواء من طرف الجهات الرسمية أو من المجتمع المدني.

يرى الخبراء أن معالجة هذه الظاهرة تبدأ ببرامج دعم شاملة تستهدف الأسر الهشة، من خلال توفير مساعدات مالية ودعم تعليمي يمكن الأطفال من العودة إلى مقاعد الدراسة.

إلى جانب ذلك، يبرز دور الجمعيات المحلية في تقديم التوجيه والدعم النفسي لهؤلاء الأطفال، فضلًا عن رفع مستوى الوعي بين المواطنين حول ضرورة المساهمة في إنهاء هذه الظاهرة بدلًا من التعايش معها كواقع محتوم.

يبقى السؤال معلقًا: إلى متى ستظل شوارع الناظور مسرحًا لمعاناة الطفولة؟ الإجابة تحتاج إلى إرادة جماعية تتجاوز الخطابات والشعارات، وتترجم إلى أفعال ملموسة تعيد لهؤلاء الأطفال حقهم المسلوب في حياة كريمة ومستقبل واعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى