رابطة علماء أم سماسرة الدين؟
كيف يمكن لرابطة تُسمى “رابطة علماء المغرب العربي” أن تدّعي تمثيل الإسلام والدفاع عن الشريعة وهي تُؤسس وجودها في دولة علمانية كتركيا، حيث لا يُطبق أي حكم من أحكام الشريعة الإسلامية؟ بيانها الأخير حول تعديلات مدونة الأسرة في المغرب ليس سوى محاولة مكشوفة لتسويق خطاب رجعي لا يمت بصلة لواقع المغرب أو حاجياته الاجتماعية.
هذه الرابطة، التي تُصدر فتاواها من أبراج عاجية، غافلة تماماً عن تطورات المجتمعات الإسلامية، تقف اليوم موقف العدو للتطور الفقهي والاجتماعي الذي يحتاجه المغرب. بدلاً من تقديم حلول عصرية تحترم مقاصد الشريعة وتراعي مصالح الناس، يُصر هؤلاء “العلماء” على تحويل الإسلام إلى أداة لعرقلة الإصلاح وتشويه الاجتهاد.
لقد قال الإمام الشاطبي: “الشريعة وُضعت لمصالح العباد في العاجل والآجل”، لكن يبدو أن الرابطة لا ترى في الإسلام سوى وسيلة للسيطرة على العقول وتقييد المجتمعات بنصوص جامدة تُقرأ خارج سياقها. بيانها الأخير يُشكك في سيادة المجلس العلمي الأعلى بالمغرب، ويتجرأ على قرارات دولة ذات تاريخ طويل في حماية الدين من عبث المتطرفين والمزايدين.
الرابطة تُهاجم تعديلات ضرورية جاءت لحماية الأسرة وضمان العدل بين أفرادها، مثل الاعتراف بحق المرأة الحاضنة في النيابة القانونية، وتنظيم حقوق الزوجين المالية بعد الطلاق، لكن أين كانت هذه الغيرة على الإسلام عندما سكتت عن قوانين تركيا التي تُلغي تماماً أحكام الشريعة في الأحوال الشخصية؟ لماذا لم تُصدر بياناً مماثلاً ينتقد قوانين البلد الذي تستقر فيه؟
الإمام مالك، الذي تدّعي الرابطة الانتماء إلى مذهبه، قال: “كلما جاء الناس بشيء أحسن من الذي نحن عليه، فهو مقبول”. فكيف تُبرر هذه الرابطة رفضها لتعديلات تُراعي تغيرات الزمن وتُحافظ على استقرار الأسرة؟ ألم يقل ابن القيم: “الاجتهاد لا ينقطع ما دامت النوازل قائمة”؟
الحقيقة أن بيان الرابطة ليس دفاعاً عن الشريعة، بل هو محاولة لتقويض الجهود الوطنية للإصلاح، وتحريض على الفوضى باسم الدين. المغرب لا يحتاج إلى “سماسرة الدين” الذين يُصدرون بيانات مُضللة من دول لا تُطبق الشريعة أصلاً.
إن علماء المغرب، الذين يُشرفون على تطوير مدونة الأسرة، يدركون أن الاجتهاد هو ما أبقى الشريعة حية عبر العصور، وهو ما قال عنه ابن عاشور: “الشريعة جاءت لرعاية المصالح ودرء المفاسد”. أما هؤلاء الذين يُعارضون كل اجتهاد باسم “الإجماع”، فإنما يُثبتون أنهم أعداء للإصلاح وأدوات للجمود والرجعية.
المغرب ماضٍ في مسيرته الإصلاحية، ولن توقفه بيانات جوفاء تُصدرها رابطة تبحث عن النفوذ لا عن الحق. وعلى الشعب المغربي أن يتيقظ لمثل هذه البيانات، التي تسعى لإثارة الفتنة وتعطيل عجلة الإصلاح باسم الدين.