قراءة المساء : عامل سطات والمدير الإقليمي بين هيبة السلطة واحترام الكرامة
انتشر مؤخراً فيديو يظهر فيه عامل إقليم سطات وهو يوبخ المدير الإقليمي للتربية والتعليم بسبب تأخر إنجاز مشروع عمومي استغرق عامين دون أن يكتمل. الفيديو أثار نقاشاً واسعاً بين المواطنين، حيث انقسمت الآراء إلى تيارين رئيسيين، كل منهما يدافع عن موقفه بشكلٍ جاد.
التيار الأول: “الصرامة مطلوبة”
يرى مؤيدو هذه الطريقة أن العامل كان محقاً في تعامله الصارم مع المدير الإقليمي، خاصة وأن المشروع العمومي يرتبط بمصالح الناس ومال الدولة، والتأخير فيه قد يؤثر سلباً على الجميع. هذا الموقف يتوافق مع ما أكده الملك محمد السادس في خطاب العرش عام 2017، حيث شدد على أهمية المسؤولية وربطها بالمحاسبة، قائلاً: “كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة أو انسحبوا.” من هذا المنطلق، يرى هؤلاء أن التوبيخ من قبل العامل لم يكن سوى دعوة للانضباط والجدية في العمل، وأن المحاسبة هي جزء أساسي من تحسين الأداء الإداري.
إن هذا التيار يعزو أهمية الشفافية والمحاسبة إلى الدول المتقدمة، حيث يتم محاسبة المسؤولين عن أي تقصير أمام الرأي العام، بعيداً عن التساهل في التعامل مع المخالفات، وذلك لضمان مصلحة الوطن والمواطنين.
التيار الثاني: “الكرامة أولاً”
في المقابل، يرى معارضو تصرف العامل أن ما قام به يتجاوز حدود المعقول، ويعكس سلوكاً سلطوياً يتنافى مع مبادئ دولة الحق والقانون. يعتقد هؤلاء أن الفيديو قد أظهر المدير الإقليمي في موقف محرج ومهين أمام الجميع، وهو ما يتنافى مع ما دعت إليه المملكة في العديد من خطبها الملكية. ففي خطاب المسيرة الخضراء 2015، أكد الملك محمد السادس على ضرورة احترام المؤسسات والقوانين، قائلاً: “المغرب دولة مؤسسات وقانون، والحفاظ على كرامة المواطنين واجب وطني.”
يشدد هذا التيار على أن المحاسبة يجب أن تكون في إطار قانوني ومنظم، بعيداً عن الاستعراضات الإعلامية التي قد تضر بسمعة الأفراد. ويؤكدون أن التعامل مع الأخطاء يجب أن يتم من خلال آليات إدارية صحيحة، لا أن يتم استخدام أساليب الاستعراض والتهجم التي قد تؤدي إلى التأثير على معنويات الموظفين وتعرقل سير العمل.
السبيل إلى التوازن
رغم أن الموقفين يحملان حججاً قوية، إلا أن الحقيقة تكمن في إيجاد توازن بين الصرامة في المحاسبة واحترام كرامة الأفراد. من المهم أن نعي أن المسؤولية تقتضي العمل بجدية والتزام بالمواعيد المحددة، ولكن في الوقت نفسه، يجب أن تتم المحاسبة ضمن إطار قانوني يضمن العدالة والمساواة بين جميع الأطراف.
المغاربة جميعهم يتفقون على أهمية مكافحة الفساد والتقصير في العمل، ولكنهم أيضاً يؤمنون بأن المحاسبة يجب أن تكون عادلة، تقوم على أسس قانونية، وتحترم كرامة الأفراد. وفي هذا السياق، تأتي دعوة الملك محمد السادس في خطاب العرش 2019، حيث قال: “روح المسؤولية تقتضي احترام القوانين والمؤسسات، وربط المسؤولية بالمحاسبة في إطار من العدل والإنصاف.”
إن الحفاظ على هيبة السلطة ليس مبرراً لتجاوز حدود الاحترام في التعامل مع الآخرين. وفي دولة المؤسسات، يجب أن يكون النقد والمحاسبة جزءاً من منظومة قانونية تعمل على ضمان العدالة والشفافية، بعيداً عن أي سلوك سلطوي قد يضر بالسمعة أو يخلق أجواء من التوتر والاحتقان.