تقنين الكيف بالمغرب: بين الآمال التنموية والتحديات المستمرة

محمد اعبوت

يُعدُّ تقنين الكيف ( القنب الهنديي) خطوة غير مسبوقة في مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها مناطق جبال الريف التي تعتمد على هذه الزراعة منذ عقود، حيث ارتبطت زراعة الكيف بعدد من المناطق في جبال الريف، وأصبحت مصدرًا رئيسيًا للعيش، لكنها ظلت محاطة بالخوف والملاحقة القانونية. ومع تقنين هذه الزراعة الذي بدأ العمل به في 2021، فتح الباب للأمل في إدماج هذه الفئات المهمشة في الاقتصاد الرسمي. إلا أن الطريق لتحقيق هذا الهدف ليس ممهّدًا، بل يواجه العديد من التحديات على مختلف الأصعدة، وهو ما سنستعرضه في هذا المقال.

لطالما شكّلت زراعة الكيف جزءًا من التراث الزراعي والاجتماعي في مناطق وقبائل مثل كتامة، وايت سداث، وبني خالد. إلا أن العقود الأخيرة شهدت انتشار هذه الزراعة إلى مناطق أخرى بسبب غياب البدائل الاقتصادية. بين عامي 1995 و2005، امتدت المساحات المزروعة إلى أقاليم وزان، وتطوان، والعرائش. بل كان من المتوقع أن تنتشر أكثر، لكن السلطات لجأت إلى إجراءات صارمة للتصدي لهذا التوسع، حيث شملت تلك الإجراءات حرق المحاصيل وملاحقة المزارعين، إلى جانب إطلاق مشاريع بديلة مثل زراعة الأشجار المثمرة وتربية الماشية. ورغم تلك المحاولات، ظل الأثر محدودًا، لأن هذه التدخلات لم تعالج الجذور الاجتماعية والاقتصادية للمشكلة.

في عام 2021، وبعد جدل طويل، تم إصدار القانون الذي يهدف إلى تقنين زراعة الكيف أو القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية كخطوة هامة لتنظيم القطاع. ورغم ذلك، لا يزال تنزيل هذا القانون ضعيفًا ومحتشمًا، حيث يقتصر التطبيق على عدد قليل من الفلاحين الذين توفرت فيهم الشروط داخل ثلاثة أقاليم فقط التي حددها المرسوم. مما يثير تساؤلات حول قدرة القانون على الحد من الزراعة غير المشروعة التي تتجاوز هذه الحدود. كما أن عدد الرخص الممنوحة لا يشكل حتى 5% من مزارعي الكيف، وهو رقم ضئيل مما يُبقي الكثيرين خارج الإطار القانوني.

إلى جانب ذلك، يطرح العديد من الفاعلين، بما فيهم جمعويون وحقوقيون، إمكانية تقنين الاستخدام الترفيهي للكيف كوسيلة لتعزيز العائدات الاقتصادية والحد من السوق السوداء، والتهريب الدولي. حيث أكدت التجارب الدولية، مثل هولندا وكندا وأوروغواي وبعض الولايات الأمريكية، أن هذا النوع من التقنين يمكن أن يقلل من الاعتماد على الأسواق غير المشروعة ويوفر عائدات ضريبية كبيرة. ومع ذلك، يظل النقاش في المغرب معقدًا، حيث نواجه تحفظات قوية لأسباب دينية وثقافية واجتماعية.

على الرغم من أن تقنين الكيف يفتح آفاقًا اقتصادية واعدة، إلا أن النجاح يتطلب معالجة التحديات البنيوية التي تواجه المناطق الزراعية. فالحسيمة، وشفشاون، وتاونات، تعاني من بنية تحتية ضعيفة، ونقص في الخدمات الصحية والتعليمية، وارتفاع معدلات البطالة. إذا أرادت الدولة تحقيق تحول جذري في هذه المناطق، يجب أن تترافق السياسات التشريعية مع استثمارات واسعة في تحسين الطرق، وبناء المستشفيات والمدارس، وتطوير شبكات المياه والكهرباء.

بالإضافة إلى ذلك، يحتاج المزارعون إلى دعم فني ومادي ملموس. تدريبهم على تقنيات الزراعة الحديثة، وتقديم التمويل اللازم، وإنشاء التعاونيات لتحويل المنتجات المحلية يمكن أن يُسهم في زيادة الدخل وتقليل الاعتماد على السوق غير القانونية. كما أن جذب الاستثمارات الدولية في مجال الصناعات التحويلية يمكن أن يعزز من القيمة المضافة للكيف القانوني ويوفر فرص عمل جديدة.

على الصعيد الدولي، يجب على المغرب أن يتحرك بسرعة لضمان مكانة تنافسية في السوق العالمية للكيف الطبي والصناعي. التنافس الدولي يزداد حدّة، مع دخول دول جديدة مثل تايلاند وبريطانيا إلى هذا القطاع. لذا، فإن تسريع تنزيل القانون وتنظيم القطاع بشكل فعّال سيُمكّن المغرب من استقطاب شراكات دولية والاستفادة من القيمة المضافة لهذا السوق الواعد.

وحتى الآن، فإن النتائج في 2024 تعرف تقدّمًا ملموسًا، ولكنها تحتاج إلى تعزيز. بحسب المعطيات الصادرة عن الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، شهد عام 2024 إصدار 3029 ترخيصًا مقارنة بـ721 في عام 2023، وهو ما يظهر أن المعدل لا يزال ضعيفًا، رغم أنه يتحسن مقابل السنة الماضية من ضعيف جدًا الى ضعيف… ولا يشكل نسبة مهمة مقارنة بعدد المناطق التي تزرع الكيف ومن بين هذه التراخيص، تم منح 2837 ترخيصًا ل2659 فلاحًا لزراعة وإنتاج الكيف، كما تم ترخيص 192 فاعلًا لمختلف الأنشطة المرتبطة بالكيف، بما في ذلك التحويل، التسويق، والتصدير. وتظل هذه الأرقام ضعيفة مقارنة بإحصائيات المناطق المشمولة بزراعة الكيف، حيث يوجد أكثر من نصف مليون فلاح يعيشون في جبال الريف بين الأقاليم الثلاثة، خارج إطار هذا القانون ولم ينخرطوا بسبب ضعف التأطير والتسويق للقانون، وكذلك شبه انعدام التواصل مع الفلاحين. حيث اقتصرت الوكالة المكلفة بهذا النشاط على التواصل والتنسيق مع عدد محدودة من التعاونيات التي بادرت وتفاعلت مع القانون، في حين تم إقصاء أغلب الفلاحين الذين كان من المنتظر أن يكونوا جزءًا من هذه العملية.

ومن جهة أخرى، تم تهميش جميع الجمعيات التي كان لها دور رئيسي في إخراج هذا القانون إلى الوجود، وما تزال الحاجة إلى هذه الجمعيات في جميع المجالات لتنزيل صحيح لهذا القانون، حيث يظل دور الجمعيات أساسيًا في الشرح وتبليغ المعلومة إلى الفلاحين، وهذا ما ينص عليه الدستور في حق المجتمع المدني كقوة اقتراحية وشريك أساسي في جميع المجالات، ولكن الوكالة رأت العكس، واكتفت بتنظيم لقاءات جد محتشمة لشرح القانون وطريقة الانخراط في هذا الورش لعدد قليل من الفلاحين.
من جهة أخرى، منحت الوكالة أكبر عدد من الرخص لإقليم تاونات على حساب الحسيمة وشفشاون، مما يظهر عدم تكافؤ الفرص وغياب العدالة المجالية، وعدم الاعتماد على دراسات علمية، لأن بؤرة التحديات موجودة في إقليم الحسيمة وشفشاون….!

خاتمة

إن تقنين الكيف في المغرب ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو خطوة نحو بناء نموذج تنموي جديد، هذا المشروع يحمل في طياته فرصة تاريخية لتحسين أوضاع المناطق المهمشة، لكنه يتطلب رؤية شمولية واستراتيجية طويلة الأمد تدمج بين الأبعاد القانونية، الاقتصادية، والاجتماعية، الرهان اليوم ليس فقط على نجاح التقنين، بل على قدرة المغرب على تحويل هذه الخطوة إلى قاطرة للتنمية المستدامة.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى