كــلامٌ في السِّياسـة

في ظل الأوضاع السياسية الهشة اليوم، وصعوبة الوصول إلى أقرب مسافة من الحقيقة، بسبب تعدد الوسائل الحديثة، وكثرة المصادر المزيفة والتحيز العنيف، والتوجه نحو التسلط، أصبح المغاربة تائهين في نفق عميق مليء بالشوائب الكاذبة، لا ترى النور أبدا، إضافة إلى تصديقها للزيف، والرضى بالسكوت المستميت، كي تكسب حياة آمنة، تكسب الخوف للبقاء في السلطة، وهذا الذي تكشفه الصحافة الحرة، التي لا يمكن لأي نظام غير سوي أن يقبل بوجوده في ساحته، ومع كل هذا وذاك نجد العديد من المنصات الإعلامية الحرة التي تكشف خدع ولعب السلطة بالأدلة والبراهين المنطقية، والواقعية أيضا.
 
فالحاجة الأساسية اليوم لم تكن فقط في لقمة عيش يفكر كيف يكسبها الانسان، ولم تكن فقط في الحصول على علاج مجاني ولا حتى بمقعد دراسي ولا بوظيفة مرموقة، فلا فائدة من كل هذا وذاك من دون صحافة ديمقراطية حرة آمنة، تستطيع قول الحق فيها دون خوف أو غطاء وجه مزيف، ولا فائدة من العيش والمواطن بين قيود ملموسة غير مرئية تحيط بك من كل جانب.

فلا يمكن الفصل بين الصحافة والديمقراطية وهما وجهان لعملة واحدة، ولا يمكن للصحافة الديمقراطية أن تكون تحت رحمة سلطة ظالمة، كل هذه التضييقات في ظل الأوضاع الملتهبة اليوم على العمل الصحفي الذي لطالما كرس نفسه لكشف الحقائق السامية في المغرب.

ويمكن أن تعد الدولة حرة مع تلك القوانين العارمة التي تمنع التحدث أو كشف المستور، ولو كان الحديث قليلا عن شبكات التواصل الاجتماعي اليوم التي ومع كل الأسف أحدثت خرقا كبيرا في تشويه كل ما يحدث اليوم، إضافة إلى تبنيها للقذف والذم حتى غدت ساحة معركة، فمن الأسهل لمستخدميها استغلالها بالطريقة الصحيحة لصالح حقوقهم المنسية وقضاياهم الطاهرة.

 ما زلت أؤمن أننا ما زلنا قادرين على تقديم الحقيقة حتى ولو كانت على حساب أرواحنا وحياتنا، مقابل الاستمتاع ولو بالقليل الكثير من حقوق تكفل لنا العيش كما غيرنا، فلا فرق بين الموت أو العيش داخل قوقعة التهديد الجائح والترصد الواقع من قبل صناع القرار ومن أملت عليهم أنفسهم تسييس الصحافة والديمقراطية لصالح أنفسهم، التحديات صعبة لكنها ليست مستحيلة في ظل تلك الأوضاع البالية من قوانين مبطنة وتضييق الحكومة والسلطة إضافة إلى توجهات بعض المؤسسات الإعلامية التي تسيطر على الصحفيين والصحفييات لصالح أنفسهم لا لصالح حفظ حقوق الإنسان السامية، لكن لو كانت تلك الكوادر البشرية مؤهلة غير ضعيفة لما كان لتلك المؤسسات والحكومة أن تقودهم لما تريد. 

تأتي أهمية التوعية في الصحافة الديمقراطية اليوم بسبب الفهم غير الدقيق للصحافة بشكل عام وللصحافة الديمقراطية بشكل خاص من قبل الصحفيين أنفسهم وغياب النظام الإعلامي الديمقراطي القوي في بنيته من الأساس بعيدا عن الملكية الخاصة والتجارية، وسيطرة توجهات المؤسسات الصحفية على الصحفيين والعاملين فيها، وانخفاض في المهنية الصادقة لحفظ مستوى الصحافة الديمقراطية وقلة في التأهيل الصحيح للكوادر البشرية المتاحة إضافة إلى عدم الربط الواضح بين الصحافة التقليدية والتكنولوجية الحديثة واستغلالها بالشكل الصحيح لتعزيز قدرة الصحفيين وحتى الأفراد أنفسهم على نشر الأحداث والوقائع الصحيحة ووجود الجمهور السلبي الكبير.
 
إضافة إلى زيادة خطاب الكراهية على منصات الإعلام البديل دون دمجه واستثماره لتحويله لجمهور فعال وايجابي، وزيادة خطاب المحبة في شبكات التواصل الاجتماعي والحاجة الماسة للإعلام النسوي والحوار المتنوع لكلا الجنسين وعدم التحيز للذكورية، إلى جانب التطور الكبير للإعلام البديل وعدم ربطه مع الوسائل التقليدية بطرق مبتكرة، إلى جانب التضييق الواضح وغير المفهوم من قبل الحكومة وصناع القرار على المؤسسات الصحفية واجتياح القوانين المبطنة السلطوية والحاجة لهيئة مستقلة حرة بعيدة كل البعد عن التحيز والشمولية وتوجهات السلطة والملكيات الخاصة لتعزيز الصحافة الديمقراطية، والقيام برقابة صلبة على المؤسسات الصحفية وحمايتها.

كل تلك الضروريات تجعل الصحفي يقف وقفة صحيحة لتحقيق أهداف لطالما كانت عثرة بسيطة أمام الصحافة الديمقراطية في يومنا هذا، لبيان العلاقة التكاملية للصحافة والديمقراطية، والبدء بالمساوة داخل البيئة الصحفية وممارسة الحقوق البشرية بشكل جاد، ثم تطبيقه بين أفراد المجتمع، لإعادة تحرير النفس الصحفي الحر الذي قيد لبعض من الوقت، ومع التحديات التي قد تنشأ من قلة في البيانات والمعلومات ونقص في الجانب العملي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى