“بوناني سعيد.. والبرلمان غائب!”
الغياب الجماعي للبرلمانيين عن جلسة مجلس النواب الأخيرة، وحضور 45 نائباً فقط من أصل 395، فضيحة تعكس حجم الهوة بين المواطن وممثليه. في الوقت الذي يعاني فيه المواطن المغربي من ارتفاع الأسعار، أزمات البطالة، وتفاقم مشاكله اليومية، اختار كثير من البرلمانيين التوجه مبكراً إلى المنتجعات السياحية والفنادق الفاخرة خارج البلاد للاحتفال بحلول السنة الجديدة.
هذا الغياب ليس مجرد تعثر بروتوكولي، بل تعبير صارخ عن الاستهتار بالمصالح الوطنية، وازدراء للمسؤوليات التي انتُخبوا من أجلها. ففي وقت تحتاج فيه البلاد إلى قرارات حاسمة ومناقشات جادة حول ملفات مصيرية، اختار بعض البرلمانيين الانغماس في أجواء الاحتفالات بعيداً عن هموم المواطن.
ما يثير الغضب أكثر هو أن الغالبية العظمى من الغائبين ينتمون إلى حزبي الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار، وهما من الأحزاب الرئيسية التي يفترض أنها تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية في إدارة شؤون البلاد. هذا التصرف يعكس غياباً واضحاً للأخلاق السياسية، حيث أصبح المنصب البرلماني لدى البعض مجرد وسيلة لتحقيق الامتيازات الشخصية، بدلاً من كونه واجباً وطنياً يستوجب الالتزام والجدية.
فضائح مثل هذه لا تزيد إلا من تعميق أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسات المنتخبة. كيف يمكن للمواطن أن يؤمن ببرلمان لا يُعير اهتماماً حتى لجلساته؟ وكيف يمكن للمغاربة أن يثقوا بممثليهم وهم يرونهم يفضلون قضاء أوقاتهم في المنتجعات الفاخرة بدلاً من مناقشة قضاياهم؟
المسؤولية هنا لا تقع فقط على البرلمانيين الغائبين، بل تمتد إلى الأحزاب التي لم تحاسبهم، وإلى رئاسة البرلمان التي لم تتخذ إجراءات صارمة لضمان الالتزام بالحضور. كما أن الشعب المغربي نفسه مطالب بمساءلة هؤلاء “الممثلين” عبر آليات ديمقراطية، من بينها التفاعل النقدي مع أدائهم، والتفكير بجدية في خياراته الانتخابية المستقبلية.
بينما ينعم البرلمانيون بأوقاتهم في الخارج، يظل المواطن يتساءل: هل انتخبنا ممثلين للشعب أم سفراء للمنتجعات السياحية؟ إن كان بعض البرلمانيين قد اختاروا الاحتفال بحلول السنة الجديدة خارج حدود مسؤولياتهم، فإن المغرب، للأسف، هو الذي يدفع الثمن.
هذه الفضيحة تدق ناقوس الخطر حول الواقع السياسي في المغرب. إن استمرار هذا النوع من التصرفات يتطلب وقفة جادة من الجميع، شعباً ومؤسسات، لوضع حد للعبث الذي بات يهدد مصداقية البرلمان ودوره في بناء مستقبل الوطن.