الأمازيغية بين الاحتفال الرسمي والتهميش في المغرب العميق ثنائية تحتاج إلى تصحيح
رغم الخطوات الرسمية التي اتخذتها الدولة المغربية، مثل دسترة اللغة الأمازيغية واعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها، يبقى السؤال الجوهري قائماً: هل هذا الاعتراف الرمزي كافٍ لمعالجة التهميش والتقصير التنموي الذي يعانيه الأمازيغ في المغرب العميق؟
الاحتفالات التي تقام كل عام بمناسبة “إيض يناير” تعكس الوجه المشرق للهوية الثقافية المغربية المتعددة، لكنها غالباً ما تكون مجرد مبادرات رمزية لا تخترق عمق التحديات الحقيقية التي تواجه المجتمعات الأمازيغية، خصوصاً في المناطق الجبلية والقروية.
في هذه المناطق، يواجه الأمازيغ تحديات يومية تتمثل في ضعف البنية التحتية، نقص الخدمات الصحية، غياب المؤسسات التعليمية الملائمة، وعدم الوصول إلى الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم. بينما تستثمر الدولة في مشاريع تنموية كبرى على مستوى المدن الرئيسية، تظل قرى الأطلس وسوس والريف وغيرها على الهامش، معزولة عن ديناميات التنمية الوطنية.
التهميش التنموي الذي يطال هذه المناطق يمتد إلى المجال الثقافي، حيث يواجه تدريس اللغة الأمازيغية عراقيل عديدة، أبرزها غياب الموارد البشرية المؤهلة والمناهج المناسبة، بالإضافة إلى محدودية استخدام الأمازيغية في وسائل الإعلام والمؤسسات العمومية. هذا التقزيم لا يعكس فقط قصوراً في تنزيل السياسات العمومية، بل يهدد مستقبل الأجيال القادمة التي قد تُحرم من حقها في التمسك بلغتها وهويتها.
إلى جانب ذلك، يعاني السكان الأمازيغ من تهميش اقتصادي يجعلهم عرضة للفقر والهجرة القسرية. العديد من مناطق المغرب العميق لا تزال تعاني من غياب مشاريع اقتصادية مستدامة، مثل الفلاحة العصرية، السياحة البيئية، أو الصناعات المحلية التي تعزز من مكانة الأمازيغية كمكون ثقافي واقتصادي في آنٍ واحد.
بعض الأصوات تنتقد أن التركيز على الاحتفال بالأمازيغية يُستخدم أحياناً كوسيلة لتهدئة المطالب الحقوقية والتنموية دون معالجة جوهر المشكلات. فالاعتراف الحقيقي بالأمازيغية لا يقتصر على تقديم رموز، بل يجب أن يتجسد في استراتيجيات شاملة تعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتمكن السكان من العيش بكرامة واستقلالية.
المطلوب اليوم هو إرادة سياسية حقيقية تنقل الأمازيغية من إطارها الاحتفالي إلى مجال العمل الميداني، حيث تكون المشاريع التنموية متوازنة وشاملة لكل المناطق المهمشة. كما أن تعزيز العدالة المجالية وربطها بالمطالب الثقافية واللغوية يمكن أن يكون مدخلاً لتحقيق الإنصاف ودمج الأمازيغية بشكل كامل في المشروع التنموي المغربي.
في النهاية، لا يمكن اختزال الاعتراف بالأمازيغية في يوم عطلة أو مهرجان ثقافي، بل يجب أن يكون هذا الاعتراف مرتبطاً بتغيير ملموس يرفع من مستوى معيشة السكان الأمازيغ في المغرب العميق، ويجعلهم شركاء حقيقيين في صناعة المستقبل.