المجلس العلمي الأعلى وصوته الغائب عن الإعلام العمومي

الدفاع عن العلماء يتجاوز حدود الكلمات والشعارات، فهو يتطلب أفعالاً حقيقية تترجم مكانتهم في المجتمع، حين عبرت الحكومة في اجتماعها الأخير عن استنكارها للإساءة التي طالت المجلس العلمي الأعلى، بدا ذلك موقفاً إيجابياً يعكس اهتماماً بمكانة العلماء، لكن هذا الاستنكار يظل ناقصاً إذا لم يقترن بخطوات عملية تجعل من العلماء أنفسهم صوتاً مسموعاً ومؤثراً في الفضاء العام.

الإعلام العمومي، الذي يُعد ملكاً لجميع المغاربة، يجب أن يكون الساحة التي تتيح للعلماء فرصة الدفاع عن اجتهاداتهم، وتوضيح أسسها الشرعية للمواطنين، خاصة في مواجهة حملات التشكيك التي تطال قراراتهم ومواقفهم، لكن الملاحظ أن قنواتنا الوطنية تكتفي بعرض البيانات الرسمية أو تسخير مساحاتها لتيارات فكرية أحادية، بينما تُقصي صوت العلماء الذين يمثلون مرجعيات دينية ذات ثقل علمي وأخلاقي.

شخصيات علمية مرموقة مثل الشيخ مصطفى بن حمزة، الحسين وكاك، محمد جميل بن المبارك، وإدريس خليفة، وغيرها من أعلام المجلس العلمي الأعلى، تمتلك من القدرة العلمية والحجج الشرعية ما يجعلها الأقدر على مواجهة الشبهات التي تُثار حول اجتهاداتهم، هؤلاء العلماء ليسوا مجرد أسماء، بل هم قامات فكرية تحمل رسالة التجديد في فهم الدين، وتُعد سنداً قوياً للاستقرار الروحي للمغاربة، فكيف يُعقل أن تظل أصواتهم غائبة عن منابر الإعلام العمومي، التي من المفترض أن تكون المنصة الطبيعية لنقاش القضايا الدينية والفكرية؟

الثقة التي يمنحها أمير المؤمنين الملك محمد السادس للمجلس العلمي الأعلى واضحة في رسائله ومواقفه، حيث يعتبر العلماء مرجعاً أساسياً في تأطير الشأن الديني، وإصدار الفتوى بما يتماشى مع مقاصد الشريعة، هذه الثقة الملكية تتطلب أن تُترجم على أرض الواقع بفتح أبواب الإعلام العمومي للعلماء، ليكونوا حاضرين في النقاشات الكبرى التي تهم هوية المجتمع وقيمه.

الإعلام العمومي، بحجبه أصوات العلماء، لا يخدم المصلحة العامة، بل يُعمق فجوة التواصل بين المؤسسة الدينية والمجتمع، ويترك المجال مفتوحاً أمام التأويلات المغرضة والانتقادات التي تفتقر إلى الأساس العلمي، الدفاع الحقيقي عن العلماء يبدأ بتمكينهم من الوصول إلى الجمهور، ليُبينوا وجهات نظرهم، ويُجيبوا عن تساؤلات الناس، ويُواجهوا حملات التشهير بالحجة والإقناع.

قال الإمام الشافعي: *“ما جادلت أحداً إلا تمنيت أن يظهر الله الحق على لسانه”، وهذه هي رسالة العلماء، أن يظهروا الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يكونوا الحصن المنيع في وجه الفتن الفكرية التي تعصف بالمجتمع، لكن هذه الرسالة لا تتحقق إلا إذا أتيحت لهم الفرصة ليُخاطبوا الناس مباشرة، دون وسيط أو رقابة تُقصي أصواتهم.

فتح قنوات الإعلام العمومي للعلماء ليس فقط ضرورة دينية، بل هو واجب وطني، هؤلاء العلماء هم ركن أساسي في الحفاظ على الاستقرار الروحي والفكري للمغاربة، ومن حقهم أن يكونوا جزءاً من المشهد الإعلامي الذي يُساهم في تشكيل الوعي العام، إذا كانت الحكومة صادقة في دفاعها عن المجلس العلمي الأعلى، فإن الخطوة الأولى تبدأ بفتح هذه القنوات، والسماح للعلماء بأن يكونوا هم الصوت الذي يُدافع عن نفسه وعن اجتهاداته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى