لو كان ابن خلدون حياً لتابع عبد اللطيف وهبي
لو كان عبد الرحمان ابن خلدون حياً اليوم، لما اكتفى بمتابعة وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي على منصات التواصل الاجتماعي، بل لكان يتابع تصريحاته بذهول وحيرة، محاولاً استيعاب حجم الفهم العميق الذي يخلقه الوزير بمقولاته. خاصةً عندما يهاجم “مقدمة ابن خلدون” ويتهمها بأنها صعبة الفهم، وهو اتهام غير صحيح بالمرة. المقدمة تلك، التي يصطف وراءها طلبة الجامعات في كل أنحاء العالم، أصبحت بمثابة مدخل لطلاب العلم، وهي سهلة الفهم إلا على أولئك الذين عقولهم كسولة، لا تحتمل العناء الفكري، أو على أولئك الذين اعتادوا على الفكر السطحي.
لكن وزير العدل لم يتوقف عند هذا الحد، بل ارتكب جريمة أخرى في حق ابن خلدون عندما “فصَّل” مقولة الأخير عن علاقة العلماء بالسياسة على مقاسه، كما لو أنه هو من كتب “المقدمة” وترك ابن خلدون نفسه في الجهة الأخرى يراقب ما يحدث من بعيد. في الفصل الثاني والأربعين من “المقدمة”، بين ابن خلدون، رحمه الله، بأن العلماء بعيدون عن السياسة ومذاهبها. وبالنسبة لابن خلدون، فإن السياسة والعمران لا يمكن قياسها بالطرق الفقهية، فهي ليست مجرد فروع يجب ربطها بأصول شرعية، بل هي شأن آخر يقوم على التأمل العميق، وفهم تاريخ الأمم وأحوال الناس، وكيف يمكن للسياسة أن تنظم شؤونهم.
إذن، هذا هو جوهر فكرتنا: ابن خلدون كان يعي تماماً أن الفقيه لا يمكنه أن يكون حَكماً في مسائل السياسة، ذلك أن الفقيه يدرس النصوص، بينما السياسة تتعامل مع الواقع ومع ما يحدث في الميدان. وبينما كان ابن خلدون يقدم نظرياته بناء على تأملاته التاريخية والاجتماعية، كان السيد عبد اللطيف وهبي، في تصريحاته، لا يتجاوز حدود “الفهم السريع” الذي يعتمده في قراءاته السطحية، محرفاً بذلك جوهر ما أراد ابن خلدون إيصاله.
إن المشكلة الحقيقية، والتي يتوجب على السيد عبد اللطيف وهبي أن يعترف بها، تكمن في ارتكابه جريمتين علميتين خطيرتين. الأولى عندما حاول تشويه مقدمة ابن خلدون وتبسيطها إلى حد الكذب، والثانية عندما أخطأ في تفسير موقف ابن خلدون من العلماء والسياسة. هاتان الجريمتان لا يمكن لأحد أن يوقفهما إلا بمراجعة عقلية وفكرية عميقة، وهو أمر يبدو أنه بعيد المنال على وزير العدل الذي يعاني من ضعف شديد في القراءة والتأمل.
لقد أثبتت تصرفات السيد عبد اللطيف وهبي، للأسف، أنه لا يمتلك القدرة على فك الرموز الفكرية العميقة، وأنه يعجز عن النظر في قضايا أكثر تعقيداً مثل قضايا الأسرة التي تستدعي التأمل العميق والنظرة الشمولية، بدلاً من القرارات الارتجالية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.