أزمة الأسرة المغربية بين تعديل القوانين وأزمة القيم
في خضم النقاش المجتمعي الساخن حول التعديلات المرتقبة في مدونة الأسرة المغربية، تتزايد التساؤلات حول ما إذا كانت هذه التعديلات ستقدم حلولاً فعلية لدعم الأسرة، أم أنها مجرد محاولة أخرى لإعادة ترتيب النصوص القانونية دون معالجة جوهر الأزمة التي تعصف بالمؤسسة الأسرية.
وفي الوقت الذي تترقب فيه الأطراف المعنية تفاصيل هذه التعديلات والاستثناءات التي سترد عليها، تبرز أصوات عديدة لتؤكد أن أزمة الأسرة المغربية أعمق من مجرد قوانين أو مواد قانونية قابلة للتعديل.
ترى المحامية سهام الكمراوي، في تدوينة لها، أن القوانين مهما بلغت دقتها أو صياغتها، تظل قاصرة عن معالجة أزمة الأسرة إذا لم تكن مدعومة بمسؤولية وأخلاق تحكم العلاقة بين الرجل والمرأة. وتشير إلى أن القيم التي كانت دعامة أساسية للعلاقات الأسرية أصبحت تتآكل، مما أدى إلى انهيار هذه المؤسسة ليس بسبب نصوص قانونية غير ملائمة فقط، بل بسبب فقدان الروح الأخلاقية التي تحكم التعاملات داخل الأسرة.
ما يثير القلق، بحسب الكمراوي، هو أن بعض النساء يلجأن إلى استخدام القانون كسلاح للانتقام بدلاً من تحقيق العدالة، متناسيات أن الرجل الذي يسعين إلى تحطيمه هو الأب ذاته الذي يحتاجه أبناؤهن. وفي المقابل، هناك رجال يتنصلون من مسؤولياتهم تجاه أسرهم وكأنها خيار يمكن التخلي عنه، وهو ما يعمق أزمة الأسرة ويزيد من تعقيداتها.
تسلط الكمراوي الضوء على النظرة الاختزالية التي باتت تُهيمن على العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع. فالبعض ينظر إلى المرأة ككائن مادي أو جمال خارجي، متجاهلين عقلها وقدراتها، في حين يُنظر إلى الرجل كرمز للقوة المادية أو السلطة المستبدة. هذه الصور النمطية تسهم في تشويه العلاقة بين الطرفين، مما يجعل من الصعب تحقيق التفاهم والتوازن داخل الأسرة.
تؤكد الكمراوي أن استقرار الأسرة لا يمكن أن يتحقق إلا بشراكة متكاملة بين الرجل والمرأة، حيث لا يكون الرجل مجرد معيل ولا المرأة مجرد حاضنة. فتمكين المرأة لا يعني تقويض دور الرجل، والعكس صحيح. تحقيق التوازن بين الطرفين ليس ترفاً، بل ضرورة لبناء أسرة سليمة قادرة على تنشئة جيل واعٍ ومسؤول.
ترى الكمراوي أن القضية تتجاوز تعديل نصوص قانونية أو إضافة بنود جديدة، لتصل إلى عمق الأزمة المتمثل في انهيار القيم والمبادئ. فإصلاح الأسرة المغربية يحتاج إلى مراجعة جذرية تشمل القيم والممارسات الاجتماعية، إلى جانب النصوص القانونية، لأن القانون وحده لا يكفي لمعالجة ما هو في جوهره أزمة أخلاقية وقيمية.
إن ما تواجهه الأسرة المغربية اليوم ليس مجرد أزمة تشريعية، بل هو انعكاس لأزمة مجتمعية أعمق تتطلب معالجة شاملة تنطلق من إصلاح القيم والمبادئ التي تحكم العلاقات داخل الأسرة. وإذا استمرت النظرة إلى القوانين باعتبارها الحل الوحيد، فسيظل المجتمع يدور في حلقة مفرغة من الأزمات التي لا يمكن إصلاحها بالقانون وحده.